فقد أجاب عنه ابن الأنباري، فقال: حروف المعجم التسعة والعشرون تجري مجرى الرسالة والخطبة، فيستقبحون فيها اتفاق الألفاظ واستواء الأوزان، كما يستقبحون ذلك في خطبهم ورسائلهم، فيغيرون بعض الكلم ليختلف الوزن وتتغير المباني، فيكون ذلك أعذب على الألسن وأحلى في الأسماع.
قوله تعالى: * (ذكر رحمة ربك) * قال الزجاج: الذكر مرفوع بالمضمر، المعنى: هذا الذي نتلو عليك ذكر رحمة ربك عبده. قال الفراء: وفي الكلام تقديم وتأخير; المعنى: ذكر ربك عبده بالرحمة، و " زكريا " في موضع نصب.
قوله تعالى: * (إذ نادى ربه) * النداء هاهنا بمعنى الدعاء.
وفي علة إخفائه لذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: ليبعد عن الرياء، قاله ابن جريج.
والثاني: لئلا يقول الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يسأل الولد على الكبر، قاله مقاتل.
والثالث: لئلا يعاديه بنو عمه، ويظنوا أنه كره أن يلوا مكانه بعده، ذكره أبو سليمان الدمشقي.
وهذه القصة تدل على أن المستحب إسرار الدعاء، ومنه الحديث: " إنكم لا تدعون أصم ".
قوله تعالى: * (رب إني وهن العظم مني) * وقرأ معاذ القارئ، والضحاك: " وهن " بضم الهاء، أي: ضعف. قال الفراء وغيره: وهن العظم، ووهن، بفتح الهاء وكسرها; والمستقبل على الحالين كليهما: يهن. وأراد أن قوة عظامه قد ذهبت لكبره; وإنما خص العظم، لأنه الأصل في التركيب.
وقال قتادة: شكا ذهاب أضراسه.
قوله تعالى: * (واشتعل الرأس شيبا) * يعني: انتشر الشيب فيه، كما ينتشر شعاع النار في الحطب وهذا من أحسن الاستعارات. * (ولم أكن بدعائك) * أي: بدعائي إياك * (رب شقيا) * أي: لم أكن لأتعب بالدعاء ثم أخيب، لأنك قد عودتني الإجابة; يقال: شقي فلان بكذا: إذا تعب بسببه، ولم ينل مراده.
قوله تعالى: * (وإني خفت الموالي) * يعني: الذين يلونه في النسب، وهم بنو العم والعصبة * (من ورائي) * أي: من بعد موتي.
وفي ما خافهم عليه قولان:
أحدهما: أنه خاف أن يرثوه، قاله ابن عباس.
فإن اعترض عليه معترض، فقال: كيف يجوز لنبي أن ينفس على قراباته بالحقوق المفروضة