هذه الجماعة هي التي جعلت القرآن الكريم يهتم بمجموعة من القضايا التي وإن كان لها جذر في التأريخ الإنساني وامتداد في المستقبل، ولكن هذا الاهتمام الخاص قد يكون بسبب ظروف هذه القاعدة، وذلك من قبيل:
اهتمامه بقضية (الأصنام)، فقد يكون - والله أعلم - من الصحيح أن تطرح قضية الأصنام وتناقش لوجود أمم تعبدها، أو لوجود اتجاه فطري في الإنسان إلى التجسيد، الامر الذي يؤدي إلى الانحراف باتجاه عبادة الأصنام إذا لم تتم معالجته وتوجيهه، شأنه في ذلك شأن بقية القضايا الفطرية، ولكن هذا القدر الكبير من الاهتمام بها وطرحها ومعالجتها بصورة مستمرة قد يكون سببه هو ملاحظة أن القاعدة التي يريد أن يتفاعل معها القرآن والرسالة ابتداء أمة تتبنى عبادة الأصنام، ومن ثم تحتاج إلى أن يؤكد هذا الأمر وبهذا المقدار، لكي تتم معالجته وتغييره بشكل تام في المستقبل.
وهكذا اهتمامه بقضية (الوحي) وأصالته، وأنه ليس بالشئ الغريب والمستحدث بل له سوابق عند الأنبياء الآخرين.
فلو كان القرآن نازلا في مجتمع أهل الكتاب لما احتاج إلى مثل هذا التأكيد وبهذا المقدار، وذلك لأن مجتمع أهل الكتاب مجتمع يؤمن بالوحي وبالرسالات وبارتباطها بالسماء.
ومثل هذا يقال في تأكيد القرآن الكريم دور إبراهيم (عليه السلام) وحنيفيته وإخلاصه في التوحيد والعبادة ودوره في الإسلام ونسبة الإسلام إليه.
كل هذا باعتبار أن هذه الجماعة التي نزل القرآن فيها لم تكن تعرف من الأنبياء، ولم تكن لها علاقة حب وإيمان إلا مع إبراهيم (عليه السلام) وذلك لأن غيره من الأنبياء لم يكونوا واقعين في الجذر التأريخي لهذه الجماعة.