فقد أحاطوا به وصار محدودا بحدودهم مقدرا بقدر نيلهم منه، فلا يستقيم ما أثنوا به من ثناء إلا من بعد أن ينزهوه ويسبحوه عما حدوه وقدروه بأفهامهم، قال تعالى:
* (... إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون) * (1) وأما المخلصون من عباده تعالى فقد جعل حمدهم حمده ووصفهم وصفه حيث جعلهم مخلصين له.
فقد بان أن الذي يقتضيه أدب العبودية أن يحمد العبد ربه بما حمد به نفسه ولا يتعدى عنه كما في الحديث الذي رواه الفريقان عن النبي (صلى الله عليه وآله): " لا أبلغ مدحك والثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " (2)، فقوله في أول هذه السورة * (الحمد لله) *، تأديب بأدب عبودي ما كان للعبد أن يقوله " لولا أن الله تعالى قاله نيابة وتعليما لما ينبغي الثناء به " (3).
الموقف من رأي الطباطبائي:
وما ذكره العلامة الطباطبائي (قدس سره) صحيح في نفسه، فإن الحمد قد جاء هنا على لسان العبد وعلمه الله إياه، وبهذا الشكل أصبح هذا الحمد يتناسب مع (الصلاة)، واختصت هذه السورة بهذه الخصوصية دون غيرها.
ولكن ما استدل به من آيات على أن الحمد من دون إضافة التسبيح إليه لم يأت إلا على لسان الأنبياء والخلص من العباد غير واضح، إذ يحتمل في (الحمد) الوارد في بعض الآيات من دون اقتران بالتسبيح مجيئه على لسان العبد كما يمكن