من العبد تجاه الله تبارك وتعالى، وهذا الدعاء بمضمونه يمثل هدف وطموح مسيرة الإنسان التكاملية التي حددت من خلال المقطع الأول والثاني السابقين، لأنه لا بد من وجود هدف وطموح لكل مسيرة تكاملية، وهذا المقطع يمثل هذا الهدف وهذا الطموح، كما أنه استجابة للشعور بالحاجة إلى الله تعالى، حيث يعبر الدعاء عن مصداق هذه الحاجة، وبذلك يتضح الارتباط السياقي بين هذا المقطع وما قبله من المقطعين الشريفين.
وقد أشار هذا المقطع إلى جملة من المعاني والمضامين العالية، منها:
أولا - التكامل نزعة فطرية في الإنسان:
إن التكامل يمثل بالنسبة إلى الإنسان حالة ونزعة فطرية وثابتة فيه تنعكس على إرادته واختياره، ولولاها لما كان له طلب ودعاء من الله، لان الله تعالى خلقه بأحسن خلق وفرض عليه العبادة وأعانه عليها لحاجته وفقره وعوزه لهدايته إلى كل هذه الحقائق، فلولا وجود هذه النزعة الفطرية نحو الكمال لما كانت هناك حاجة إلى طلب المزيد من الله والمتمثلة بالمقطع الثالث من السورة المباركة.
وبهذه النزعة افترق الإنسان عن بقية الموجودات التي وإن فرض وجود التكامل في مسيرتها أيضا، إلا أنها حالة قهرية تكوينية تتحقق من خلال النظام الكوني المتطور والمتكامل، والإنسان بهذا البعد خاضع لهذا النظام ويتكامل من خلاله: نطفة، فعلقة، فمضغة،....
* (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر