إلى أن ظاهرة العبادة لله ظاهرة موجودة في كل الكون الذي يسير بها نحو تكامله من خلال الإرادة التكوينية، وتشمل هذه الظاهرة حينئذ الإنسان أيضا، ولعل هذا هو الذي تشير إليه الآية (18) من سورة الحج، التي ذكرناها سابقا، حيث جاء التعبير * (وكثير من الناس) * في مقام العطف على سجود الشمس والقمر والنجوم، غاية ما في الأمر أن تكامله الأعلى لا يتم إلا من خلال انسجام إرادته مع الإرادة التشريعية لله تبارك وتعالى - كما قلنا -.
4 - كما إن هيئة الفعل الدالة على الجمع (نعبد) تجعل الفرد مندكا وذائبا في الجماعة ولا يرى العابد نفسه شيئا أمام الله تبارك وتعالى، وبذلك يعالج الإنسان حالة الأنانية التي هي المصدر الأساس لنمو عنصر الطغيان ووجود حالة الطاغوت في شخصيته، وهذا بخلاف ما لو ورد التعبير ب (إياك أعبد)، فقد يحس الإنسان بأنه شئ مستقل في مقابل الله تعالى الواحد الاحد، فهو وجود قبالة وجود الله، غاية ما في الامر أنه وجود عابد لله تعالى، وحينئذ تتكرس عنده حالة الأنانية من خلال هذا الشعور الخاطئ.
رابعا - الاستعانة تعبير عن الحاجة:
ويمكن أن نفهم جميع الابعاد والخصوصيات في * (إياك نستعين) * مما ذكر من خصوصيات لعبارة * (إياك نعبد) *، إذ إن الفرق بينهما انما هو في الفرق بين مادتي (الاستعانة) و (العبادة)، وأما الابعاد الأخرى المرتبطة بالهيئة وأسلوب التعبير وصياغته فهي تأتي بنفسها في * (إياك نستعين) * فلا نحتاج أن نعيدها.
وأما الاستعانة فهي عنصر أساس أيضا في التكامل المرتبط بالإنسان كالعبادة، والآية بجزئها الثاني * (إياك نستعين) * في معرض تنبيه الإنسان