الأول من الخلق الحسن والتربية والرحمة والعدل والجزاء.
والآخر: يرتبط بالإنسان نفسه وموقفه من الله تعالى ويتمثل بالشكر والعبادة لله تعالى والشعور بالحاجة إليه والاستعانة به، التي يتناولها المقطع الثاني.
ولكي تتضح صورة هذا العامل، لا بد من الإشارة إلى مجموعة من الأمور المستفادة منه، وهي:
أولا: الإرادة والاختيار في العبادة والتعبير عن الاستعانة:
ذلك أن المراد من قوله تعالى * (إياك نعبد وإياك نستعين) * إما:
1 - اخبار الإنسان عن حالة قائمة فيه فهو بصدد بيان جملة خبرية، أي:
أنه إنسان يعبد الله ويستعين به، فكما يقول الإنسان (أنا حي) يقول (أنا عابد لله) و (أنا مستعين بالله)، فكأن الإنسان يخبر عن حاله وواقعه بأنه موجود ومخلوق عابد الله ومستعين به، ونفس هذا الإخبار والاعتراف بهذه الحقيقة هو نحو من أنحاء العبادة والشكر.
2 - أو أن يكون مضمون هذه الآية هو جملة إنشائية - وهو الارجح - والمراد منه إنشاء وإيجاد موقف من مواقف العبادة والاستعانة فكأنه يريد أن يوجد العبادة، ويقول: أنا الآن بصدد عبادتك والاستعانة بك. كما يقول البائع عندما يريد أن يوجد عقد البيع " بعتك الدار " أو " إياك أبيع الدار ".
وعلى كلا الاحتمالين فإن الهيئة التركيبية لجملة * (إياك نعبد) * تدل على حصر العبادة - الخضوع المشوب بالتقديس التأليهي والتعظيم - بالله تبارك وتعالى، إذ يذكر أهل اللغة بأن تقديم المفعول على الفعل والفاعل، فيه دلالة على حصر الفعل بالمفعول، ويستفاد من هذا الحصر أيضا بأن خضوع الإنسان لله تبارك وتعالى خضوع مطلق ينسحب على كل أعماله وتصرفاته.