كما أن هذا التغيير لا بد أن يكون تغييرا جذريا، إذ إن التغيير يمكن أن يكون على أحد شكلين، هما:
أحدهما: التغيير الإصلاحي، ويراد به كل تغيير يتناول بعض المعالم الجانبية في المجتمع ويحتفظ أثناء القيام به بعامة الأصول والقضايا الأساسية التي تتحكم في أوضاع المجتمع العامة، إذ يفترض هذا المنهج من التغيير صحة الأصول العامة التي يقوم عليها المجتمع الإنساني، مع افتراض وجود جوانب فاسدة ومنحرفة وغير صحيحة في المجتمع لا بد أن تطالها عملية التغيير دون أسس وأصول ذلك المجتمع.
فتكون العملية حينئذ عملية إصلاح الوضع القائم لا تغييره تغييرا جذريا.
والآخر: التغيير الجذري، ويراد به كل تغيير يتعرض لعامة الأصول والأسس القائمة في المجتمع، فتطالها عملية التغيير وإن بقيت بعض الجوانب والأمور الثانوية على حالها، وهذا هو ما يعبر عنه في العصر الحديث (بالثورة) و (الانقلاب).
والامر الواضح أن أحد أبعاد الهدف الرئيس لنزول القرآن - وهو هدف تغيير المجتمع - أن يكون هذا التغيير تغييرا من الشكل الثاني: تغيير جذري لا إصلاحي.
وقد عبر القرآن الكريم عن هذا البعد بعملية الإخراج من (الظلمات) إلى (النور)، إذ جاء هذا التغيير في معرض حديثه عن هدف نزوله.
وعندما ننظر إلى هذه الحالة - الإخراج من الظلمات إلى النور - يمكن أن نلاحظ حالة التغيير من ناحية، والحالة الجذرية في التغيير من ناحية أخرى، إذ نرى خروجا من أحد القطبين المتناقضين إلى القطب الآخر:
* (... قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل