ويجتمعون في (منى) ويسعون بين (الصفا) و (المروة) ويطوفون بالبيت الحرام، وبتعبير آخر: أنهم كانوا يؤدون مجمل الشعائر التي سميت بعد ذلك بشعائر الحج والتي أقرها الإسلام أيضا (١).
أو من قبيل إقراره ﴿لعدة الوفاة﴾ (2) التي كانت تمارسها النساء في الجاهلية مع تغيير في مدة هذه العدة.
إن تفسير مثل هذه الإقرارات سوف يختلف باختلاف ذهنية المفسر لا محالة، فالذي يرى أن القرآن الكريم جهد بشري ونتاج لرسول الله (صلى الله عليه وآله) يفترض أن الرسول (صلى الله عليه وآله) قد تأثر وانفعل بهذه الأعراف، وأنه أراد أن ينسجم معها ولا يعارضها ابتداء، حتى يتمكن من أن يؤثر في المجتمع آنذاك ويصلحه.
وأما لو نظرنا إلى القرآن الكريم بنظرة إسلامية صحيحة قائمة على أساس أنه وحي إلهي لا يمكن أن ينفعل أو يتأثر بالحالة الاجتماعية القائمة آنذاك، فحينئذ لا يمكن أن تفسر مثل هذه الظاهرة بأنها عملية انفعال من قبل الرسول (صلى الله عليه وآله) بتلك الأعراف، بل لا بد وأن ندرك أن القرآن الكريم وإن جاء لتغيير المجتمع الجاهلي ولكنه أقر الأوضاع الإنسانية التي تكون منسجمة مع الفطرة البشرية، أو التي بقيت من التراث الإلهي الذي عرفته الإنسانية قبل الإسلام.
ووجد في مثل هذه الأعراف ما ينسجم مع الفطرة وأهداف الدين الجديد، والإسلام هو دين الفطرة الإنسانية:
* (... فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم...) * (3).