إحدى أبواب انعدامه، وتارة أخرى يراد من الاستعانة الاستعانة بكل الأمور والأسباب التي تدخل في علة وجود الشئ، بحيث يكون الامر (سدا لجميع أبواب العدم) فيتحقق وجود الشئ لتحقيق جميع أجزاء وأسباب وجوده، ويعبر عن هذا ب (التوفيق)، وهذا الصنف من الاستعانة هو المنحصر به تبارك وتعالى لعجز غيره عن التأثير بكل الأمور والأسباب، غيبية كانت أو غير غيبية، ويكون المقصود حينئذ من قوله تعالى * (إياك نعبد وإياك نستعين) *، أي (إياك نعبد وإياك نطلب التوفيق) (1).
على أن بالإمكان أن يكون المراد أيضا طلب (الاستعانة) بالله تعالى حتى بالنسبة إلى تلك الأسباب التي يتوسل بها الإنسان بالموجودات الأخرى (كالإنسان والحيوان وغيرهما)، لأن كل الأسباب التي يستعين بها الإنسان في حياته منتهية إلى الله عز وجل في الواقع، وحتى ما كان منها تحت سيطرة الإنسان فإنها تحت سيطرة الله وهيمنته، والله قادر على أن يمنعه منها فيحتاج إلى معونة الله تعالى حتى يمكن أن تؤثر في مسبباتها، إذن فطلب العون منه تعالى يمكن أن يكون طلبا مطلقا سواء في الأسباب التي تنتهي إلى إرادة الإنسان أو الأسباب المادية الأخرى أو الأسباب الغيبية التي هي إمداد إلهي مباشر منه تعالى، ويكون الإنسان في هذا الطلب في مقام التعبير بطلب الاستعانة عن الواقع والحقيقة التي أريد منه الاعتقاد بها، وهي أن كل ما في هذا الكون تحت سيطرة الله وإرادته ولا يمكن أن يتم شئ فيه إلا بمشيئته: * (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله...) * (2) وهذا الصنف من الاستعانة مختص بالله تعالى ومنحصر به.