عن مضمونه يتحقق بالقيام به عمل صالح، ويكون هدف الآية المباركة هو تعليم الإنسان ممارسة هذا العمل العبادي حتى لو كان مضمونه طلب ما هو حاصل.
ولعل الاحتمال الثالث هو الارجح في المقام، ويمكن جمعه مع الاحتمال الأول بنحو من الأنحاء فنتصور أن الإنسان في مسيرته وحياته العملية بحاجة دائمة ومستمرة إلى الهداية، لأن كل خطوة من خطواته في هذه المسيرة تحتاج إلى رؤية ودلالة من قبل الله تعالى حتى تكون خطوة على الطريق المستقيم الذي هو طريق التصاعد والتكامل، فهو في الخطوة الأولى وإن كان مهتديا إلا أنه يحتاج في الخطوة الثانية إلى هداية جديدة كي يطويها في طريق التكامل والصعود إلى أن يصل إلى النهاية المتمثلة بالكمال والجنة بدرجاتها العالية.
ويكون طلب التثبيت على الهداية طلبا لان يكون الإنسان مستمرا على طريق الهداية والتكامل فيها لا مجرد الثبات على الهداية والبقاء عليها، وبهذا يكون هذا الدعاء دعاء لشئ غير حاصل لأنه دعاء وطلب لهداية جديدة لا تختلف عن الهداية السابقة نوعا، بل تختلف عنها شدة ودرجة ومصداقا لأنها فرد جديد من الهداية، وبذلك ينطبق على الهداية عنوان (الدلالة بلطف).
وبالاعتماد على معنى الهداية هذا يمكن تفسير ما نسب إلى الأنبياء (عليهم السلام) من ضلال كما في قوله تعالى * (ووجدك ضالا فهدى) * (1)، فلا شك عندنا أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان مهتديا منذ البداية، ولكنه (صلى الله عليه وآله) كان - كما يبدو من الآية الكريمة والله العالم - متحيرا وضالا بالنسبة إلى الخطوة الثانية فهداه الله تعالى إليها، إذ إن حالة التكامل والتصاعد في سلم الكمال متصورة حتى في حق الرسول (صلى الله عليه وآله)