آخر، ويضم إلى ذلك الاجماع على عدم الفصل في النجاسات إلا فيما استثني فيعم حينئذ.
والتحقيق عندي في الجواب أن المقصود بالإفادة بمثل هذا الكلام أمران:
(أحدهما) عموم المنطوق و (الثاني) عموم المفهوم، والرواة قد فهموا حكم المفهوم من ذلك كذلك، ولذلك سكتوا عن الاستفسار، وإلا فمثل هؤلاء الأجلاء كزرارة ومحمد بن مسلم وأضرابهما من فضلاء الرواة ومحققيهم كيف يسكتون ويرضون بفهم بعض المقصود مع توفر حاجة الأمة إلى ذلك؟ ولا سيما زرارة الذي من عادته تنقيح الأسئلة والفحص عن جملة فروع المسألة، ويقنعون باستفادة أنه إذا نقص عن كر نجسه شئ ما.
ويرشدك إلى ما ذكرنا جوابه (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم الأولى من تلك الروايات المتقدمة (1) لما سأل عن الماء تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب. قال: " إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ " فإنه من الظاهر البين أن السائل أراد السؤال عن حالة هذا الماء بعد وقوع هذه الأشياء أو أحدها فيه، وأنه هل ينجس بمجرد ملاقاتها أم لا؟ فأجابه (عليه السلام) بوجه عام وقاعدة كلية في كل ماء وكل نجاسة وهو التحديد ببلوغ الكرية وعدمه، وأنه لا ينجس مع الأول وينجس مع الثاني. ولو لم يفهم السائل عموم المفهوم من جوابه (عليه السلام) بذلك، وأنه إذا نقص عن الكرية ينجس بملاقاة تلك النجاسات المسؤول عن ملاقاتها، لاستفسر منه البتة، لأنه أد طرفي الترديد في جوابه (عليه السلام) إذ حاصل جوابه أنه " إذا بلغ الماء كرا لم ينجسه شئ، وإذا لم يبلغ نجسه شئ " فلو لم يفهم السائل عموم لفظ (شئ) الذي في جانب المفهوم على وجه يشمل النجاسات المسؤول عنها وغيرها بقرينة المقام، ولا سيما السؤال هنا عن وقوع تلك الأشياء المخصوصة،