ما حكموا فيه من الأسئار بالطهارة والنجاسة ليس لخصوصية كونه سؤرا، وإنما هو من حيث التبعية لذي السؤر في الطهارة والنجاسة، وهذا حكم عام، ومحله مبحث النجاسات والمطهرات. وما اختلفوا فيه منها طهارة ونجاسة فإنما نشأ من اختلافهم في حيوانه بذلك أيضا، ومحل هذا أيضا هناك. وأما خلاف من خالف فحكم بنجاسة أسئار بعض الحيوانات مع حكمه بطهارة ذلك الحيوان فلا دليل عليه كما سيظهر لديك إن شاء الله تعالى. وما حكموا فيه بالكراهة من تلك الأسئار فهو أيضا خال من الدليل كما سنتلوه عليك إن شاء الله تعالى، عدا موضع واحد وهو سؤر الحائض المتهمة، فإن الأخبار قد دلت على النهي عنه، إلا أن غاية ما تدل عليه هو النهي بالنسبة إلى الوضوء خاصة دون الشرب وغيره، والظاهر أن الوجه فيه هو اختصاص ماء الطهارة بالمزية زيادة على غيره من سائر المياه المستعملة كما ورد من كراهة الوضوء بالماء الآجن والمشمس ونحوهما، وهذا بمجرده لا يوجب افراد بعض أجزاء الماء المطلق بعنوان على حدة وجعله قسسيما له، وإلا لكان الفردان المذكوران كذلك ولأن اختصاص الكراهة بالوضوء دون غيره يخرج ذلك عن كونه حكما كليا في السؤر كما يدعونه.
(الموضع الثاني) أن ذا السؤر أما أن يكون آدميا أو غيره، والأول أما مسلم ومن بحكمه أو كافر ومن بحكمه، والثاني أما مأكول اللحم أو غيره، وغير مأكول اللحم أما طاهر العين أو لا، فالأقسام خمسة. والسؤر عندهم أما طاهر أو نجس أو مكروه. ولا يخفى أن أكثر مباحث هذا الفصل وما يتعلق بها من التحقيق وبسط الأدلة التي بها تليق قد وكلناها إلى مبحث النجاسات، فإنها بذلك أنسب كما أشرنا إليه آنفا، ولنشر هنا اجمالا إلى ما يخص هذا المقام جريا على وتيرة من تقدمنا من علمائنا الأعلام جزاهم الله تعالى عنا أفضل جزاء في دار الاكرام.