على أن التحقيق عندي كما سيأتيك بيانه إن شاء الله تعالى (1) أن دلالة هذه الأخبار على نجاسة القليل بالملاقاة لا تنحصر في مفهوم مخالفتها، بل المتبادر منها بقرينة المقام أن مقصودهم (عليهم السلام) بيان المعيار الفارق بين ما ينجس بملاقاة النجاسة وبين ما لا ينجس، فههنا في التحقيق دلالتان كما سيتضح لك في محله إن شاء الله تعالى.
و (أما ثالثا) فلأن ما ذكره من تعارض العمومين من وجه، فيه أن الظاهر أن مراده من العمومين عموم المفهوم القائل: إن كل ماء قليل ينجس بالملاقاة وعموم المنطوق الذي نطقت به الروايات الدالة على أن كل ماء لا ينجس ما لم يتغير، القائل بأن كل ماء لا ينجس بمجرد الملاقاة.
وأنت خبير بأن النسبة بين هذين العمومين هو العموم والخصوص المطلق لا من وجه. وعموم المفهوم أخص مطلقا. ومقتضى القاعدة المقررة تقديم العمل به وتخصيص العام به، وحينئذ فالدليل عليه لا له.
و (أما رابعا) فلأن ترجيحه (قدس سره) جانب الطهارة بالاجماع مع أن الاجماع عندهم دليل قطعي فلا يحتاج معه إلى الترجيح محل نظر لا يخفى، فكان الأولى أن يقول: ونقل الاجماع. هذا ما اقتضاه النظر العليل وخطر بالفكر الكليل والاحتياط حيثما توجه أوضح سبيل.
(المقالة الخامسة) اشترط شيخنا الشهيد في الدروس في الجاري دوام النبع، وتبعه في هذا الشرط الشيخ جمال الدين أحمد بن فهد في موجزه.
قال في الدروس: " ولا يشترط فيه الكرية على الأصح. نعم يشترط فيه