إذا عرفت ذلك فتحقيق الكلام في هذه الأخبار يقع في مواضع:
(الأول) - لا يخفى أن مقبولة عمر بن حنظلة (1) ومرفوعة زرارة (2) قد اشتملتا على الترجيح بأعدلية الراوي وأفقهيته، وهذا الطريق من طرق الترجيح لم يتعرض له ثقة الاسلام في ديباجة الكافي في ضمن نقله طرق الترجيحات، وإنما ذكر الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة والأخذ بالمجمع عليه، ولعل الوجه فيه ما ذكره بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) من أنه لما كانت أحاديث كتابه كلها صحيحة عنده - كما صرح به في غير موضع من ديباجة كتابه - فلا وجه للترجيح بعدالة الراوي.
ويحتمل أيضا أن يقال: إن في الترجيح بأحد تلك الوجوه الثلاثة غنية عن الترجيح بعدالة الرواي كما سيأتي تحقيقه. ويؤيد ذلك خلو ما عدا الخبرين المذكورين ورواية داود ابن الحصين (3) من الأخبار الواردة في هذا المضمار عن عد ذلك في جملة المرجحات.
ويؤيده أيضا ما رواه في الكافي (4) عن ابن أبي يعفور قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اختلاف الحديث: يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به قال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلا فالذي جاءكم به أولى به " فإنه (عليه السلام) لم يرجح بالوثاقة ولم يقل اعمل بما تثق به دون ما لا تثق به مع كون السؤال عن الاختلاف الناشي عن رواية الثقة وغير الثقة.
(الثاني) - إنه قد اشتملت مقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة زرارة على جملة الطرق الواردة في الترجيح، لكنهما قد اختلفتا في الترتيب بين تلك الطرق، فاشتملت الأولى منهما على الترجيح بالأعدلية والأفقهية ثم بالمجمع عليه ثم بموافقة الكتاب