أن مقتضى أصالة عدم التذكية عندهم كما تكون موجبة للتحريم كذلك تكون موجبة للنجاسة، كما صرحوا به في جملة من المواضع: منها مسألة اللحم والجلد المطروحين، حيث حكموا بالتحريم والنجاسة بناء على الأصل المشار إليه، وحينئذ فكما يكون العلم بعدم التذكية موجبا للتحريم والنجاسة كذلك حال الاشتباه وعدم العلم بالتذكية موجب لهما. ولا ريب أن الصيد في الصورة المفروضة مما اشتبه فيه الحال بالتذكية وعدمها، والتمسك بأصالة عدم التذكية يوجب الحكم بتحريمه ونجاسته، ومتى ثبت نجاسته فوقوعه في الماء القليل موجب لتنجيسه عند القائل بنجاسة القليل بالملاقاة، فالنجاسة لا تختص بالترتب على العلم بتذكية خاصة الذي هو الموت حتف الأنف، حتى يتم لهم أن النجاسة هنا مشكوك فيها لاحتمال التذكية، بل كما تترتب على ذلك تترتب على الشك أيضا في التذكية كما عرفت، فإنه لما كان كل من حل الصيد وطهارته مترتبا على العلم بالتذكية، كان انتفاؤهما بانتفاء ذلك تحقيقا للسببية. وعدم العلم بالتذكية كما عرفت أعم من العلم بالعدم.
وبالجملة فإن نجاسة الماء وطهارته في الصورة المفروضة دائرة مدار طهارة الصيد ونجاسته، وقد عرفت أن عدم العلم بالتذكية كما يكون سببا في التحريم يكون سببا في النجاسة، وحينئذ فقول المستدل: إن الشك في استناد الموت إلى الجرح أو الماء يقتضي الشك في عروض النجاسة مسلم لو كانت النجاسة مرتبة على الموت حتف الأنف خاصة كما ذكروه. فأما إذا قلنا بترتبها أيضا على الشك في التذكية وعدم العلم بها فلا. وحينئذ فالظاهر هو القول بالنجاسة. وأصالة الطهارة التي استندوا إليها ممنوعة بوجود النجاسة يقينا. وبما ذكرناه تخرج هذه الصورة المذكورة عن فرض المسألة، إذ موضوع المسألة وقوع شئ مشكوك في نجاسته أو طهارته في الماء القليل، والصيد في الصورة المفروضة محكوم بنجاستها قطعا، لعدم العلم بالتذكية، فإنه موجب لتحريمه ونجاسته كما عرفت.
نعم لو كان موجب النجاسة هو العلم بعدم التذكية خاصة اتجه ما ذكروه، إلا أنه ليس كذلك.