في الباب الذي قبله تفسير ترك الخطبة صريحا في قوله حتى ينكح أو يترك وحديث عمر في قصة حفصة لا يظهر منه تفسير ترك الخطبة لان عمر لم يكن علم أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب حفصة قال ولكنه قصد معنى دقيقا يدل على ثقوب ذهنه ورسوخه في الاستنباط وذلك أن أبا بكر علم أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب إلى عمر أنه لا يرده بل يرغب فيه ويشكر الله على ما أنعم الله عليه به من ذلك فقام علم أبى بكر بهذا الحال مقام الركون والتراضي فكانه يقول كل من علم أنه لا يصرف إذا خطب لا ينبغي لاحد أن يخطب على خطبته وقال ابن المنير الذي يظهر لي أن البخاري أراد أن يحقق امتناع الخطبة على الخطبة مطلقا لان أبا بكر امتنع ولم يكن انبرم الامر بين الخاطب والولي فكيف لو انبرم وتراكنا فكأنه استدلال منه بالأولى (قلت) وما أبداه ابن بطال أدق وأولى والله أعلم (قوله تابعه يونس وموسى بن عقبة وابن أبي عتيق عن الزهري) أي باسناده أما متابعة يونس وهو ابن يزيد فوصلها الدارقطني في العلل من طريق أصبغ عن ابن وهب عنه وأما متابعة الآخرين فوصلها الذهلي في الزهريات من طريق سليمان بن بلال عنهما وقد تقدم للمصنف هذا الحديث من رواية معمر من رواية صالح بن كيسان أيضا عن الزهري أيضا * (قوله باب الخطبة) بضم أوله أي عند العقد ذكر فيه حديث ابن عمر جاء رجلان من المشرق فخطبا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان من البيان لسحرا وفى رواية الكشميهني سحرا بغير لام وهو طرف من حديث سيأتي بتمامه في الطب مع شرحه قال ابن التين أدخل هذا الحديث في كتاب النكاح وليس هو موضعه قال والبيان نوعان * الأول ما يبين به المراد * والثاني تحسين اللفظ حتى يستميل قلوب السامعين والثاني هو الذي يشبه بالسحر والمذموم منه ما يقصد به الباطل وشبهه بالسحر لان السحر صرف الشئ عن حقيقته (قلت) فمن هنا تؤخذ المناسبة ويعرف أنه ذكره في موضعه وكأنه أشار إلى أن الخطبة وإن كانت مشروعة في النكاح فينبغي أن تكون مقتصدة ولا يكون فيها ما يقتضى صرف الحق إلى الباطل بتحسين الكلام والعرب تطلق لفظ السحر على الصرف تقول ما سحرك عن كذا أي ما صرفك عنه وأخرجه أبو داود من حديث صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن جده رفعه ان من البيان سحرا قال فقال صعصعة بن صوحان صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجة من صاحب الحق فيسحر الناس ببيانه فيذهب بالحق وقال المهلب وجه ادخال هذا الحديث في هذه الترجمة أن الخطبة في النكاح انما شرعت للخاطب ليسهل أمره فشبه حسن التوصل إلى الحاجة بحسن الكلام فيها باستنزال المرغوب إليه بالبيان بالسحر وانما كان كذلك لان النفوس طبعت على الانفة من ذكر الموليات في أمر النكاح فكان حسن التوصل لرفع تلك الانفة وجها من وجوه السحر الذي يصرف الشئ إلى غيره وورد في تفسير خطبة النكاح أحاديث من أشهرها ما أخرجه أصحاب السنن وصححه أبو عوانة وابن حبان عن ابن مسعود مرفوعا ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره الحديث قال الترمذي حسن رواه الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود وقال شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه قال فكلا الحديثين صحيح لان إسرائيل رواه عن أبي إسحاق فجمعهما قال وقد قال أهل العلم ان النكاح جائز بغير خطبة وهو قول سفيان الثوري وغيره من أهل العلم اه وقد
(١٧٣)