في الشرع لا توصف لا بحل ولا حرمة فلا يثبت النسخ في هذا ونقل الحازمي أيضا تقرير النسخ بطريق أخرى فقال إن النهى عن أكل الخيل والحمير كان عاما من أجل أخذهم لها قبل القسمة والتخميس ولذلك أمر باكفاء القدور ثم بين بندائه بأن لحوم الحمر رجس أن تحريمها لذاتها وأن النهى عن الخيل انما كان بسبب ترك القسمة خاصة ويعكر عليه أن الامر باكفاء القدور انما كان بطبخهم فيها الحمر كما هو مصرح به في الصحيح لا الخيل فلا يتم مراده والحق أن حديث خالد ولو سلم أنه ثابت لا ينهض معارضا لحديث جابر الدال على الجواز وقد وافقه حديث أسماء وقد ضعف حديث خالد أحمد والبخاري وموسى بن هارون والدارقطني والخطابي وابن عبد البر وعبد الحق وآخرون وجمع بعضهم بين حديث جابر وخالد بأن حديث جابر دال على الجواز في الجملة وحديث خالد دال على المنع في حالة دون حالة لان الخيل في خيبر كانت عزيزة وكانوا محتاجين إليها للجهاد فلا يعارض النهى المذكور ولولا يلزم وصف أكل الخيل بالكراهة المطلقة فضلا عن التحريم وقد وقع عند الدارقطني في حديث أسماء كانت لنا فرس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرادت أن تموت فذبحناها فأكلناها وأجاب عن حديث أسماء بأنها واقعة عين فلعل تلك الفرس كانت كبرت بحيث صارت لا ينتفع بها في الجهاد فيكون النهى عن الخيل لمعنى خارج لا لذاتها وهو جمع جيد وزعم بعضهم أن حديث جابر في الباب دال على التحريم لقوله رخص لان الرخصة استباحة المحظور مع قيام المانع فدل على أنه رخص لهم فيها بسبب المخمصة التي أصابتهم بخيبر فلا يدل ذلك على الحل المطلق وأجيب بأن أكثر الروايات جاء بلفظ الاذن وبعضها بالامر فدل على أن المراد بقوله رخص أذن لا خصوص الرخصة باصطلاح من تأخر عن عهد الصحابة ونوقض أيضا بأن الاذن في أكل الخيل لو كان رخصة لأجل المخمصة لكانت الحمر الأهلية أولى بذلك لكثرتها وعزة الخيل حينئذ ولان الخيل ينتفع بها فيما ينتفع بالحمير من الحمل وغيره والحمير لا ينتفع بها فيما ينتفع بالخيل من القتال عليها والواقع كما سيأتي صريحا في الباب الذي يليه أنه صلى الله عليه وسلم أمر بإراقة القدور التي طبخت فيها الحمر مع ما كان بهم من الحاجة فدل ذلك على أن الاذن في أكل الخيل انما كان للإباحة العامة لا لخصوص الضرورة وأما ما نقل عن ابن عباس ومالك وغيرهما من الاحتجاج للمنع بقوله تعالى والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة فقد تمسك بها أكثر القائلين بالتحريم وقرروا ذلك بأوجه * أحدها أن اللام للتعليل فدل على أنها لم تخلق لغير ذلك لان العلة المنصوصة تفيد الحصر فإباحة أكلها تقتضى خلاف ظاهر الآية * ثانيها عطف البغال والحمير فدل على اشتراكها معها في حكم التحريم فيحتاج من أفرد حكمها عن حكم ما عطفت عليه إلى دليل * ثالثها أن الآية سيقت مساق الامتنان فلو كانت ينتفع بها في الاكل لكان الامتنان به أعظم لأنه يتعلق به بقاء البنية بغير واسطة والحكيم لا يمتن بأدنى النعم ويترك أعلاها ولا سيما وقد وقع الامتنان بالاكل في المذكورات قبلها * رابعا لو أبيح أكلها لفاتت المنفعة بها فيما وقع به الامتنان من الركوب والزينة هذا ملخص ما تمسكوا به من هذه الآية والجواب على سبيل الاجمال أن آية النحل مكية اتفاقا والاذن في أكل الخيل كان بعد الهجرة من مكة بأكثر من ست سنين فلو فهم النبي صلى الله عليه وسلم من الآية المنع لما أذن في الاكل وأيضا فآية النحل ليست نصا في منع الاكل والحديث صريح في جوازه وأيضا على
(٥٦٢)