وبالجملة فهذه الطرق يقوى بعضها بعضا والحديث مرفوع لا يضره رواية من وقفه (قوله مع الغلام عقيقة) تمسك بمفهومه الحسن وقتادة فقالا يعق عن الصبى ولا يعق عن الجارية وخالفهم الجمهور فقالوا يعق عن الجارية أيضا وحجتهم الأحاديث المصرحة بذكر الجارية وسأذكرها بعد هذا فلو ولد اثنان في بطن استحب عن كل واحد عقيقة ذكره ابن عبد البر عن الليث وقال لا أعلم عن أحد من العلماء خلافه (قوله فأهريقوا عنه دما) كذا أبهم ما يهراق في هذا الحديث وكذا في حديث سمرة الآتي بعده وفسر ذلك في عدة أحاديث منها حديث عائشة أخرجه الترمذي وصححه من رواية يوسف بن ماهك انهم دخلوا على حفصة بنت عبد الرحمن أي ابن أبي بكر الصديق فسألوها عن العقيقة فأخبرتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة وأخرجه أصحاب السنن الأربعة من حديث أم كرز أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة واحدة ولا يضركم ذكرانا كن أو إناثا قال الترمذي صحيح وأخرجه أبو داود والنسائي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه في أثناء حديث قال من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة قال داود بن قيس راويه عن عمرو سألت زيد بن أسلم عن قوله مكافئتان فقال متشابهتان نذبحان جميعا أي لا يؤخر ذبح إحداهما عن الأخرى وحكى أبو داود عن أحمد المكافئتان المتقاربتان قال الخطابي أي في السن وقال الزمخشري معناه متعادلتان لما يجزى في الزكاة وفى الأضحية وأولى من ذلك كله ما وقع في رواية سعيد بن منصور في حديث أم كرز من وجه آخر عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ شاتان مثلاث ووقع عند الطبراني في حديث آخر قيل ما المكافئتان قال المثلان وما أشار إليه زيد بن أسلم من ذبح إحداهما عقب الأخرى حسن ويحتمل الحمل على المعنيين معا وروى البزار وأبو الشيخ من حديث أبي هريرة رفعه ان اليهود تعق عن الغلام كبشا ولا تعق عن الجارية فعقوا عن الغلام كبشين وعن الجارية كبشا وعند أحمد من حديث أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم العقيقة حق عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة وعن أبي سعيد نحو حديث عمرو بن شعيب أخرجه أبو الشيخ وتقدم حديث ابن عباس أول الباب وهذه الأحاديث حجة للجمهور في التفرقة بين الغلام والجارية وعن مالك هما سواء فيعق عن كل واحد منهما شاة واحتج له بما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا أخرجه أبو داود ولا حجة فيه فقد أخرجه أبو الشيخ من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ كبشين كبشين وأخرج أيضا من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله وعلى تقدير ثبوت رواية أبى داود فليس في الحديث ما يرد به الأحاديث المتواردة في التنصيص على التثنية للغلام بل غايته أن يدل على جواز الاقتصار وهو كذلك فان العدد ليس شرطا بل مستحب وذكر الحليمي أن الحكمة في كون الأنثى على النصف من الذكر أن المقصود استبقاء النفس فأشبهت الدية وقواه ابن القيم بالحديث الوارد في أن من أعتق ذكرا أعتق كل عضو منه ومن أعتق جاريتين كذلك إلى غير ذلك مما ورد ويحتمل أن يكون في ذلك الوقت ما تيسر العدد واستدل باطلاق الشاة والشاتين على أنه لا يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية وفيه
(٥١١)