حديث عبد الرحمن بن أبي بكر في اطعام القوم من سواد بطن الشاة وكانوا ثلاثين ومائة رجل وفيه فأكلنا أجمعون وشبعنا وقد تقدم شرحه في كتاب الهبة * الثالث حديث عائشة توفى النبي صلى الله عليه وسلم حين شبعنا من الأسودين التمر والماء وفيه إشارة إلى أن شبعهم لم يقع قبل زمان وفاته قاله الكرماني (قلت) لكن ظاهره غير مراد وقد تقدم في غزوة خيبر من طريق عكرمة عن عائشة قالت لما فتحت خيبر قلنا الآن نشبع من التمر ومن حديث ابن عمر قال ما شبعنا حتى فتحنا خيبر فالمراد أنه صلى الله عليه وسلم شبع حين شبعوا واستمر شبعهم وابتداؤه من فتح خيبر وذلك قبل موته صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين ومراد عائشة بما أشارت إليه من الشبع هو من التمر خاصة دون الماء لكن قرنته به إشارة إلى أن تمام الشبع حصل بجمعهما فكان الواو فيه بمعنى مع لا أن الماء وحده يوجد الشبع منه ولما عبرت عن التمر بوصف واحد وهو السواد عبرت عن الشبع والري بفعل واحد وهو الشبع وقوله في حديث أنس عن أبي طلحة سمعت صوت النبي صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع كأنه لم يسمع في صوته لما تكلم إذ ذاك الفخامة المألوفة منه فحمل ذلك على الجوع بقرينة الحال التي كانوا فيها وفيه رد على دعوى ابن حبان أنه لم يكن يجوع واحتج بحديث أبيت يطعمني ربى ويسقيني وتعقب بالحمل على تعدد الحال فكان يجوع أحيانا ليتأسى به أصحابه ولا سيما من لا يجد مددا وأدركه ألم الجوع صبر فضوعف له وقد بسطت هذا في مكان آخر ويؤخذ من قصة أبى طلحة أن من أدب من يضيف أن يخرج مع الضيف إلى باب الدار تكرمة له قال ابن بطال في هذه الأحاديث جواز الشبع وإن كان تركه أحيانا أفضل وقد ورد عن سلمان وأبى جحيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا في الآخرة قال الطبري غير أن الشبع وإن كان مباحا فان له حدا ينتهى إليه وما زاد على ذلك فهو سرف والمطلق منه ما أعان الآكل على طاعة ربه ولم يشغله ثقله عن أداء ما وجب عليه اه وحديث سلمان الذي أشار إليه أخرجه ابن ماجة بسند لين وأخرج عن ابن عمر نحوه وفى سنده مقال أيضا وأخرج البزار نحوه من حديث أبي جحيفة بسند ضعيف قال القرطبي في المفهم لما ذكر قصة أبى الهيثم إذ ذبح للنبي صلى الله عليه وسلم ولصاحبيه الشاة فأكلوا حتى شبعوا وفيه دليل على جواز الشبع وما جاء من النهى عنه محمول على الشبع الذي يثقل المعدة ويثبط صاحبه عن القيام للعبادة ويفضى إلى البطر والأشر والنوم والكسل وقد تنتهى كراهته إلى التحريم بحسب ما يترتب عليه من المفسدة وذكر الكرماني تبعا لابن المنير أن الشبع المذكور محمول على شبعهم المعتاد منهم وهو أن الثلث للطعام والثلث للشراب والثلث للنفس ويحتاج في دعوى أن تلك عادتهم إلى نقل خاص وانما ورد في ذلك حديث حسن أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وصححه الحاكم من حديث المقدام بن معد يكرب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فان غلب الآدمي نفسه فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس قال القرطبي في شرح الأسماء لو سمع بقراط بهذه القسمة لعجب من هذه الحكمة وقال الغزالي قبله في باب كسر الشهوتين من الاحياء ذكر هذا الحديث لبعض الفلاسفة فقال ما سمعت كلاما في قلة الاكل أحكم من هذا ولا شك في أن أثر الحكمة في الحديث المذكور واضح وانما
(٤٦١)