ونقل البيهقي في المعرفة عن الشافعي أنه ذكر رواية أبى الزبير فقال نافع أثبت من أبى الزبير والأثبت من الحديثين أولى أن يؤخذ به إذا تخالفا وقد وافق نافعا غيره من أهل الثبت قال وبسط الشافعي القول في ذلك وحمل قوله لم يرها شيا على أنه لم يعدها شيئا صوابا غير خطا بل يؤمر صاحبه أن لا يقيم عليه لأنه أمره بالمراجعة ولو كان طلقها طاهرا لم يؤمر بذلك فهو كما يقال للرجل إذا أخطأ في فعله أو أخطأ في جوابه لم يصنع شيئا أي لم يصنع شيئا صوابا قال ابن عبد البر واحتج بعض من ذهب إلى أن الطلاق لا يقع بما روى عن الشعبي قال إذا طلق الرجل امرأته وهى حائض لم يعتد بها في قول ابن عمر قال ابن عبد البر وليس معناه ما ذهب إليه وانما معناه لم تعتد المرأة بتلك الحيضة في العدة كما روى ذلك عنه منصوصا أنه قال يقع عليها الطلاق ولا تعتد بتلك الحيضة اه وقد روى عبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر نحوا مما نقله ابن عبد البر عن الشعبي أخرجه ابن حزم باسناد صحيح والجواب عنه مثله وروى سعيد بن منصور من طريق عبد الله بن مالك عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهى حائض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس ذلك بشئ وهذه متابعات لأبي الزبير الا أنها قابلة للتأويل وهو أولى من الغاء الصريح في قول ابن عمر أنها حسبت عليه بتطليقة وهذا الجمع الذي ذكره ابن عبد البر وغيره يتعين وهو أولى من تغليط بعض الثقات وأما قول ابن عمر انها حسبت عليه بتطليقة فإنه وان لم يصرح برفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فان فيه تسليم أن ابن عمر قال إنها حسبت عليه فكيف يجتمع مع هذا قوله إنه لم يعتد بها أو لم يرها شيئا على المعنى الذي ذهب إليه المخالف لأنه ان جعل الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم لزم منه أن ابن عمر خالف ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة بخصوصها لأنه قال إنها حسبت عليه بتطليقة فيكون من حسبها عليه خالف كونه لم يرها شيئا وكيف يظن به ذلك مع اهتمامه واهتمام أبيه بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ليفعل ما يأمره به وان جعل الضمير في لم يعتد بها أو لم يرها لابن عمر لزم منه التناقض في القصة الواحدة فيفتقر إلى الترجيح ولا شك أن الاخذ بما رواه الأكثر والاحفظ أولى من مقابله عند تعذر الجمع عند الجمهور والله أعلم واحتج ابن القيم لترجيح ما ذهب إليه شيخه بأقيسة ترجع إلى مسئلة أن النهى يقتضى الفساد فقال الطلاق ينقسم إلى حلال وحرام فالقياس أن حرامه باطل كالنكاح وسائر العقود وأيضا فكما أن النهى يقتضى التحريم فكذلك يقتضى الفساد وأيضا فهو طلاق منع منه الشرع فأفاد منعه عدم جواز ايقاعه فكذلك يفيد عدم نفوذه والا لم يكن للمنع فائدة لان الزوج لو وكل رجلا أن يطلق امرأته على وجه فطلقها على غير الوجه المأذون فيه لم ينفذ فكذلك لم يأذن الشارع للمكلف في الطلاق الا إذا كان مباحا فإذا طلق طلاقا محرما لم يصح وأيضا فكلما حرمه الله من العقود مطلوب الاعدام فالحكم ببطلان ما حرمه أقرب إلى تحصيل هذا المطلوب من تصحيحه ومعلوم أن الحلال المأذون فيه ليس كالحرام الممنوع منه ثم أطال من هذا الجنس بمعارضات كثيرة لا تنهض مع التنصيص على صريح الامر بالرجعة فإنها فرع وقوع الطلاق على تصريح صاحب القصة بأنها حسبت عليه تطليقة والقياس في معارضة النص فاسد الاعتبار والله أعلم وقد عورض بقياس أحسن من قياسه فقال ابن عبد البر ليس الطلاق من أعمال البر التي يتقرب بها وانما هو إزالة عصمة فيها حق
(٣٠٩)