فليراجعها) قال ابن دقيق العيد يتعلق به مسئلة أصولية وهى أن الأمر بالامر بالشئ هل هو أمر بذلك أم لا فإنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر مره فأمره بأن يأمره (قلت) هذه المسئلة ذكرها ابن الحاجب فقال الامر بالامر بالشئ ليس أمرا بذلك الشئ لنا لو كان لكان مر عبدك بكذا تعديا ولكان يناقض قولك للعبد لا تفعل قالوا فهم ذلك من أمر الله ورسوله ومن قول الملك لوزيره قل لفلان افعل قلنا للعلم بأنه مبلغ (قلت) والحاصل أن النفي انما هو حيث تجرد الامر وأما إذا وجدت قرينة تدل على أن الآمر الأول أمر المأمور الأول أن يبلغ المأمور الثاني فلا وينبغي أن ينزل كلام الفريقين على هذا التفصيل فيرتفع الخلاف ومنهم من فرق بين الامرين فقال إن كان الآمر الأول بحيث يسوغ له الحكم على المأمور الثاني فهو آمر له والا فلا وهذا قوى وهو مستفاد من الدليل الذي استدل به ابن الحاجب على النفي لأنه لا يكون متعديا الا إذا أمر من لا حكم له عليه لئلا يصير متصرفا في ملك غيره بغير اذنه والشارع حاكم على الآمر والمأمور فوجد فيه سلطان التكليف على الفريقين ومنه قوله تعالى وأمر أهلك بالصلاة فان كل أحد يفهم منه أمر الله لأهل بيته بالصلاة ومثله حديث الباب فان عمر انما استفتى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ليمتثل ما يأمره به ويلزم ابنه به فمن مثل بهذا الحديث لهذه المسئلة فهو غالط فان القرينة واضحة في أن عمر في هذه الكائنة كان مأمورا بالتبليغ ولهذا وقع في رواية أيوب عن نافع فأمره أن يراجعها وفى رواية أنس بن سيرين ويونس بن جبير وطاوس عن ابن عمر وفى رواية الزهري عن سالم فليراجعها وفى رواية لمسلم فراجعها عبد الله كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى رواية أبى الزبير عن ابن عمر ليراجعها وفى رواية الليث عن نافع عن ابن عمر فان النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا وقد اقتضى كلام سليم الرازي في التقريب أنه يجب على الثاني الفعل جزما وانما الخلاف في تسميته آمرا فرجع الخلاف عنده لفظيا وقال الفخر الرازي في المحصول الحق ان الله تعالى إذا قال لزيد أوجبت على عمرو كذا وقال لعمر كلما أوجب عليك زيد فهو واجب عليك كان الأمر بالامر بالشئ أمر بالشئ (قلت) وهذا يمكن أن يؤخذ منه التفرقة بين الامر الصادر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن غيره فمهما أمر الرسول أحدا أن يأمر به غيره وجب لان الله أوجب طاعته وهو أوجب طاعة أميره كما ثبت في الصحيح من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني وأما غيره ممن بعده فلا وفيهم تظهر صورة التعدي التي أشار إليها ابن الحاجب وقال ابن دقيق العيد لا ينبغي أن يتردد في اقتضاء ذلك الطلب وانما ينبغي أن ينظر في أن لوازم صيغة الامر هل هي لوازم صيغة الامر بالامر أو لا بمعنى أنهما يستويان في الدلالة على الطلب من وجه واحد أو لا (قلت) وهو حسن فان أصل المسئلة التي انبنى عليها هذا الخلاف حديث مروا أولادكم بالصلاة لسبع فان الأولاد ليسوا بمكلفين فلا يتجه عليهم الوجوب وانما الطلب متوجه على أوليائهم أن يعلموهم ذلك فهو مطلوب من الأولاد بهذه الطريق وليس مساويا للامر الأول وهذا انما عرض من أمر خارج وهو امتناع توجه الامر على غير المكلف وهو بخلاف القصة التي في حديث الباب والحاصل أن الخطاب إذا توجه لمكلف أن يأمر مكلفا آخر بفعل شئ كان المكلف الأول مبلغا محضا والثاني مأمور من قبل الشارع وهذا كقوله لمالك بن الحويرث وأصحابه ومروهم بصلاة كذا في حين كذا وقوله لرسول ابنته صلى
(٣٠٣)