بعده * (قوله باب من جعل عتق الأمة صداقها) كذا أورده غير جازم بالحكم وقد أخذ بظاهره من القدماء سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وطاوس والزهري ومن فقهاء الأمصار الثوري وأبو يوسف وأحمد واسحق قالوا إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صح العقد والعتق والمهر على ظاهر الحديث وأجاب الباقون عن ظاهر الحديث بأجوبة أقربها إلى لفظ الحديث أنه أعتقها بشرط أن يتزوجها فوجبت له عليها قيمتها وكانت معلومة فتزوجها بها ويؤيده قوله في رواية عبد العزيز بن صهيب سمعت أنسا قال سبى النبي صلى الله عليه وسلم صفية فاعتقها وتزوجها فقال ثابت لأنس ما أصدقها قال نفسها فاعتقها هكذا أخرجه المصنف في المغازي وفى رواية حماد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس في حديث قال وصارت صفية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها فقال عبد العزيز لثابت يا أبا محمد أنت سألت أنسا ما أمهرها قال أمهرها نفسها فتبسم فهو ظاهر جدا في أن المجعول مهرا هو نفس العتق فالتأويل الأول لا باس به فإنه لا منافاة بينه وبين القواعد حتى لو كانت القيمة مجهولة فان في صحة العقد بالشرط المذكور وجها عند الشافعية وقال آخرون بل جعل نفس العتق المهر ولكنه من خصائصه وممن جزم بذلك الماوردي وقال آخرون قوله أعتقها وتزوجها معناه أعتقها ثم تزوجها فما لم يعلم أنه ساق لها صداقا قال أصدقها نفسها أي لم يصدقها شيا فيما أعلم ولم ينف أصل الصداق ومن ثم قال أبو الطيب الطبري من الشافعية وابن المرابط من المالكية ومن تبعهما انه قول أنس قاله ظنا من قبل نفسه ولم يرفعه وربما تأيد ذلك عندهم بما أخرجه البيهقي من حديث أميمة ويقال أمة الله بنت رزينة عن أمها أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وخطبها وتزوجها وأمهرها رزينة وكان أتى بها مسبية من قريظة والنضير وهذا لا يقوم به حجة لضعف اسناده ويعارضه ما أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها قالت أعتقني النبي صلى الله عليه وسلم وجعل عتقى صداقي وهذا موافق لحديث أنس وفيه رد على من قال إن أنسا قال ذلك بناء على ما ظنه وقد خالف هذا الحديث أيضا ما عليه كافة أهل السير أن صفية من سبى خيبر ويحتمل أن يكون أعتقها بشرط أن ينكحها بغير مهر فلزمها الوفاء بذلك وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره وقيل يحتمل أنه أعتقها بغير عوض وتزوجها بغير مهر في الحال ولا في المآل قال ابن الصلاح معناه أن العتق يحل محل الصداق وان لم يكن صداقا قال وهذا كقولهم الجوع زاد من لا زاد له قال وهذا الوجه أصح الأوجه وأقربها إلى لفظ الحديث وتبعه النووي في الروضة ومن المستغربات قول الترمذي بعد ان أخرج الحديث وهو قول الشافعي وأحمد واسحق قال وكره بعض أهل العلم أن يجعل عتقها صداقها حتى يجعل لها مهرا سوى العتق والقول الأول أصح وكذا نقل ابن حزم عن الشافعي والمعروف عند الشافعية أن ذلك لا يصح لكن لعل مراد من نقله عنه صورة الاحتمال الأول ولا سيما نص الشافعي على أن من أعتق أمته على أن يتزوجها فقبلت عتقت ولم يلزمها أن تتزوج به لكن يلزمها له قيمتها لأنه لم يرض بعتقها مجانا فصار كسائر الشروط الفاسدة فان رضيت وتزوجته على مهر يتفقان عليه كان لها ذلك المسمى وعليه له قيمتها فان اتحدا تقاصا وممن قال بقول أحمد من الشافعية ابن حبان صرح بذلك في صحيحه قال ابن دقيق العيد الظاهر مع أحمد
(١١١)