ثم قام (5) رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فوجد عبد الله بن رواحة خفة فأخبر النبي (صلى الله عليه وآله)، فوقف وقال: يا عبد الله حدث بما رأيت فقد (6) رأيت عجبا، فقال: يا رسول الله رأيت ملكا من الملائكة بيده مقمعة من حديد تأجج نارا، كلما صرخت صارخة، يا جبلاه، اهوى بها إلى هامتي، وقال: أنت جبلها، فأقول: لا، بل الله، فيكف بعد أهوائها، وإذا صرخت صارخة: يا عزاه، اهوى بها لهامتي، وقال: أنت عزها، فأقول:
لا، بل الله، فيكف بعد أهوائها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): صدق عبد الله، فما بال موتاكم يبتلون بقول احيائكم ".
قلت: ذيل الخبر ينافي أصول الشيعة، وما رووه صريحا من أن الميت لا يعذب ببكاء الحي، فقال المجلسي رحمه الله: ولعل الخبر على تقدير صحته، محمول على أن الميت كان مستحقا لبعض اعماله لنوع من العذاب فعذب بهذا الوجه، أو فعل ذلك به لتخفيف سيئاته، أو لأنه كان آمرا أو راضيا به، انتهى.
وقد يجاب: بأن قول الملك أنت جبلها؟ أنت عزها؟ استفهام والمذكور في الخبر الأهواء بالمقمعة لا بلوغها الهامة ليكون تعذيبا، وفيه أن التهويل والتقريب نوع من التعذيب، إلا أن يكون آمرا أو راضيا فيزعج بالتهويل، ويقبل منه العدول عند الموت، أو يقال إن التخويف لا يلزم منه وقوع الخوف، بشاهد ان النكيرين قد يهولان على من يعرف ربه ونبيه.