78 - ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " لان يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه، خير له من أن يمتلئ شعرا "، وفي هذا القول مجاز، لان المراد به النهى عن أن يكون حفظ الشعر أغلب على قلب الانسان، فيشغله عن حفظ القرآن وعلوم الدين حتى يكون (1) أحضر حواضره، وأكثر خواطره. فشبهه عليه الصلاة والسلام بالاناء الذي يمتلئ بنوع من أنواع المائعات، فلا يكون لغيره فيه مسرب (2)، ولا معه مذهب.
وقال بعضهم: إنما هذا في الشعر الذي هجى به النبي عليه الصلاة والسلام خصوصا، والصحيح أنه في كل شعر استولى على القلب كل استيلاء عموما، لان النهى يتعلق بحفظ القليل مما هجى به النبي عليه الصلاة والسلام، وكثيره يراعى فيه أن يكون غالبا على القلب وطافحا على اللب. وقوله عليه الصلاة والسلام حتى يريه معناه حتى يفسده (3) ويهيضه (4)، ويقولون: وراه الداء إذا فعل ذلك، قال الشاعر:
وراهن ربى مثل ما قد ورينني * وأحمى على أكبادهن المكاويا 79 - ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " كل صلاة