وهذا مجاز لأنه عليه الصلاة والسلام شبه المذنب غير القاتل بحامل الحمل إلا أن فيه بعض الخفة فهو يعنق به، أي يسرع من تحته، فإذا أصاب دما ثقل ذلك العبء حتى يبلح منه، والتبليح: الاعياء، مأخوذ من بلوح الشئ، وهو انقطاعه فكأن منته (1) قد نفدت، وقوته قد انقطعت. وإنما قال عليه الصلاة والسلام ذلك تغليظا لأمر الدم ليقل الاقدام على سفكه، ويكثر التزاجر عن التعرض له، ومع ذلك فالتوبة تسقط العقاب المستحق عليه كما تسقط العقاب المستحق على غيره من المعاصي، خلافا لما ظنه بعض الناس من أن القاتل لا توبة له، لان الامر لو كان على ما قاله لم يكن للقاتل سبيل إلى الانتفاع بطاعته في المستقبل لأنها تقع محبطة، ولا يجوز ألا يكون للعاصي طريق إلى الانفكاك من عقاب المعاصي لان في ذلك إغراء بها، وحملا له عليها.
وفي بعض الأحاديث: أن أعرابيا قتل تسعة وتسعين إنسانا، ثم أتى راهبا بالشام يستفتيه في توبته، فقال له: ما أرى لك توبة، فقال لا جرم والله لأكملنهم بك مائة، فقتل الراهب: وما حكوه عن عبد الله بن عباس رحمه الله من اختلاف فتواه في هذا المعنى لأنه أفتى مستفتيا سأله عن توبة القاتل يأنه لا توبة له، وأفتى آخر: بأن له توبة، فله عندنا وجه صحيح قد نقل عن ثقات الناقلين، وذلك أنه