السلام بالآية الشريفة في مقامات ليس فيها أمر زائد على ما فيها من الصعوبة والمشقة والعسر، فراجع الأحاديث السابقة تجد فيها شواهد مختلفة لهذا المعنى.
والحق ان (الحرج) في الأصل وإن كان بمعنى الضيق الا ان الضيق المعتبر في الأمور الحرجية ليس أمرا وراء صعوبة العمل وشدته والمشقة الحاصلة منه، فإن العمل إذا كان صعبا وعسرا كان المكلف منه في ضيق، بخلاف ما إذا كان سهلا ويسرا وما ذكره قدس سره من الأمثلة شاهدا على ما ادعاه قابل للمنع والانكار، فإن من حمل عبده على شرب دواء كريه غاية الكراهة ولو مرة واحدة يقال إن هذا العمل حرج عليه، وليس ذلك الا لأنه يقع منه في ضيق وإن كان هذا الضيق في آنات خاصة و كذلك الحال في ساير الأمثلة، والحاصل ان المعتبر في معنى الحرج وجود نوع ضيق ومحدودية فيه، ولو كان هذا الضيق حاصلا من صعوبة العمل وتعسره، ولا يعتبر فيه مداومته في يوم أو أيام عديدة وتكراره، ويزيدك هذا وضوحا بملاحظة ما ذكرناه في معنى هذه الكلمة، وموارد استعمالها من الكتاب والسنة وغيرهما، فراجع وتأمل.
نعم هنا اشكال وهو انه لو كان المراد من (الحرج) المنفى في هذه القاعدة مجرد الضيق والصعوبة في قبال السعة والسهولة، على ما هو الظاهر من معناه لغة وعرفا، يلزم نفى كل تكليف يشتمل على أدنى مراتب الصعوبة والمشقة وهذا يوجب رفع اليد عن كثير من التكاليف الشرعية كالصيام في أيام الصيف لكثير من الناس والوضوء في ليالي الشتاء بالمياه الباردة وغير ذلك من اشباهه، بل جل التكاليف يشتمل على نوع مشقة في كثير من الأوقات والحالات، وهذا مما لا يتفوه به فقيه، ولو بنى عليه حصل منه فقه جديد.
وهذا يكشف عن أن معناه اللغوي والعرفي وإن كان وسيعا في نفسه، الا ان المراد منه هنا مرتبة خاصة منه لا مطلق الصعوبة والمشقة والضيق، لكن أي مرتبة منه؟ و ما حدها؟ وما الدليل على تعيين حد خاص بعينه؟ هذه اسؤلة أشكلت أجوبتها على غير واحد من الأكابر على ما يظهر من كلماتهم في مقامات مختلفة