ولذا قال الشيخ الحر العاملي (قدس سره الشريف) في كتابه المسمى ب (الفصول المهمة) بعد ذكر طائفة من الاخبار النافية للحرج (نفى الحرج مجمل لا يمكن الجزم به فيما عدا التكليف بما لا يطاق، والا لزم رفع جميع التكاليف) انتهى.
وذهابه (قده) إلى اجمال أدلة نفي الحرج إنما نشأ من قيام قرينه مقامية كما عرفت على إرادة مرتبة خاصة منه لعدم امكان إرادة جميع مراتبه ولكن أشكل عليه الامر في تعيين هذه المرتبة لعدم قيام دليل عليه عنده.
لكن الحق كما يظهر بعد امعان النظر امكان تعيين هذه المرتبة وهي (ما يلزم منه مشقة شديدة لا يتحملها الناس عادة في مقاصدهم) فإنها القدر المسلم من أدلة نفي الحرج، أو ان القدر المسلم خروجه منها هو ما دون هذه المرتبة كما يشهد به رواية عبد الأعلى مولى آل سام الواردة في حكم الجبيرة وكذا غيره من روايات الباب.
والظاهر أن فقهاء لأصحاب (قدس سرهم) أيضا لم يفهموا من عمومات نفى الحرج الا ذاك، ولذا صرح غير واحد منهم في مسألة (جواز التيمم بخوف الشين في أعضاء الوضوء) بوجوب تقييدها بما لا يتحمل عادة أو بالشديد منه، أو بالفاحش، على اختلاف تعابيرهم قال الشيخ الأجل صاحب الجواهر (قده) عند التعرض لهذه المسألة ما حاصلة:
(لا اعرف في جواز التيمم عند خوف الشين خلافا بين الأصحاب وظاهر اطلاق كثير منهم عدم الفرق بين شديده وضعيفه، وهو مشكل جدا إذ لم نعثر له على دليل سوى عمومات العسر والحرج، واحتمال دخوله في المرض أو في اطلاق ما دل على التيمم عند خوف البرد، ومن المعلوم عدم العسر في ضعيفه، بل لا يكاد ينفك عنه غالب الناس في أوقات البرد، وعدم صدق اسم المرض عليه، وظهور أدلة خوف البرد في غيره، ثم قال ولعله لذا قيده في موضع من المنتهى بالفاحش، واختاره جماعة ممن تأخر عنه منهم المحقق الثاني في جامعه والشهيد الثاني في روضه والفاضل الهندي في كشفه، واليه يرجع ما عن جماعة أخرى من التقييد بما لا يتحمل عادة، فالأقوى الاقتصار على الشديد منه الذي يعسر تحمله عادة) انتهى كلامه.
وكأنه قدس سره تفطن لما ذكرناه من وجود القرينة المقامية على صرف اطلاقات