مشابهة الالزام بشئ وايجابه لوضعه على عاتق المكلف فكأن الشارع المقدس إذا أوجبه على المكلفين وضعه عليهم في الخارج وإذا لم يوجبه عليهم رفعه عنهم.
والحاصل ان العسر والحرج كمقابليهما من أوصاف أفعال المكلفين وهي التي قد تكون شاقا ضيقا كما قد تكون سهلا يسيرا.
وإذ قد عرفت ذلك فاعلم أنه لا اشكال في تقدم عمومات نفى الحرج على العمومات المثبتة للأحكام بعناوينها الأولية ووجوب تخصيصها بها، ويشهد له استشهاد الإمام عليه السلام بها في قبال كثير من الأدلة المثبتة للأحكام مضافا إلى فهم الفقهاء رضوان الله عليهم واستنادهم إليها في فروع فقهية كثيرة، ولكن ما وجه هذا التقدم؟ فهل هو من جهة حكومتها عليها أو أمر آخر ورائها؟
التحقيق انه على ما ذكرنا من أن العسر والحرج وأشباههما من أوصاف أفعال المكلفين لا الأحكام المتعلقة بها لا يصح لنا ان نقول بان وجه تقدم عمومات هذه القاعدة على أدلة الأحكام هو حكومتها عليها، فإنها عبارة عن كون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي ناظرا إلى الاخر بحيث لولاه لكان لغوا.
اما بان يتصرف في موضوعه، أو في حكمه، أو في متعلقه، أو في انتساب المتعلق إلى موضوعه، وقد مر بيانه في القاعدة الأولى من هذه السلسلة وهي. (قاعدة لا ضرر) عند ذكر نسبتها مع سائر الأدلة ومن المعلوم ان دليل نفى الحرج إنما ينفى وجوده وجعله على المكلفين في عالم التشريع، من دون أن يكون ناظرا إلى غيره من أدلة أحكام الشرع نظر التصرف فيها بأحد الأنحاء الأربعة المتقدمة، فمن هذه الجهة يكونان في عرض واحد فهما من قبيل المتعارضين، ففي الحقيقة أدلة نفي الحرج تكون من سنخ ما دل على أنه (لم يجعل على النساء جمعة ولا جماعة ولا اذان ولا إقامة) فلو كان هناك ما يدل بعمومها على أن عليهن بعض هذه الأمور كانتا من المتعارضين، لا ان الأول حاكم على الثاني، فلا يقدم عليه الا من باب التخصيص، ومجرد كون لسانه (نفى الجعل) لا يكفي في تقدمه على غيره كما أن من الواضح ان النسبة بينها وبين أدلة الأحكام هي العموم من وجه،