وهذه الرواية أدل روايات هذا الباب على المقصود، أي صحة العفو مع نقض التوبة وتكرارها. وقال الفاضل النراقي في جامع السعادات: وورد في الإسرائيليات أن شابا عبد الله عشرين سنة ثم عصاه عشرين سنة، ثم نظر في المرآة فرأى الشيب في لحيته فساءه ذلك فقال: إلهي أطعتك عشرين سنة ثم عصيتك عشرين سنة فإن رجعت إليك تقبلني. فسمع قائلا يقول: أحببتنا فأحببناك، فتركتنا فتركناك، وعصيتنا فأمهلناك، فإن رجعت إلينا قبلناك 1.
فظهر لك توافر الأدلة العقلية والنقلية من الكتاب والسنة على أن الله تبارك وتعالى يقبل التوبة عن عباده وإن نقضها ألف مرة، فإنه غفور رحيم.
الأمر السابع: في أن وجوب التوبة بناء على أنه إرشادي عقلي فوري، إذا العقل لا يجوز التأخير، أولا لأنه من الممكن أن يموت قبل أن يتوب، فيبتلى بعقاب ما صدر عنه من المعاصي، والمؤمن من هذا الاحتمال ليس إلا أن يتوب فورا ويخلص نفسه عن تبعة ما صدر منه.
وأيضا على فرض أنه لم يمت لاشك في أن المعصية توجب البعد عن الله ودناءة النفس وخستها وهبوطها وقصورها عن الوصول إلى مقام القرب ودرجات الكمال، فالعقل يحكم حكما بتيا بالخروج عن هذه النقيصة وفورية التوبة.
وأما لو كان على الوجوب شرعيا، فالأوامر الشرعية وإن كانت لا تدل لا على الفور ولا على التراخي كما حقق في الأصول، ولكن هو فيما إذا كان لو عجل به الموت لا يبتلى بعقاب ترك الواجب ما لم يخرج عما هو وظيفة العبودية من المسامحة في امتثال أوامر المولى.
وبعبارة أخرى: لا يعد تاركا للامتثال وعاصيا إلا بعد مضي زمان يصدق عليه