التوبة، لأنها - أي النفس - وصلت وحصل لها العلو والترقي، ولذا قلنا إن توبة المرتد الفطري تقبل، ولا معنى لعدم قبول توبته.
نعم قد يكون للمعصية أو الارتداد عن فطرة أحكام اجتماعية لا ترفع بالتوبة، كما أن قاتل العمد - أي من قتل مؤمنا عمدا - يستحق القتل، سواء تاب أو لم يتب والغاصب ومتلف مال الغير ضامن لذلك المال، تاب أو لم يتب، كذلك المرتد الفطري له أحكام اجتماعية حفظا لحدود الاسلام، سواء تاب أو لم يتب، وهو قتله، وإبانة زوجته، ووجوب اعتدادها من أول زمان ارتداده، وتقسيم تركته بين الورثة، فهذه الأحكام الأربعة لا ترتفع بالتوبة، لا أنها أحكام اجتماعية غير مربوطة بعدم قبول توبته، وإن اشتهر في الألسنة عدم قبول توبة المرتد الفطري.
وأما عدم قبول توبة فرعون حين قال لما أدركه الغرق (قال أمنت أنه لا إله الا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين. الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) 1 فمن المحتمل أنه يكون من جهة أنه كان يكذب، وكان يرتد التخلص من الغرق بهذه الكذبة.
وهذا لا ينافي ما رواه في العيون عن الرضا عليه السلام أنه سئل: لأي علة غرق الله تعالى فرعون وقد آمن به وأقر بتوحيده؟ قال عليه السلام: " لأنه آمن عند رؤية البأس " 2.
والايمان عند رؤية البأس غير مقبول، لأنه من الممكن أن يكون إيمانه عند رؤية البأس كذبا ويريد التخلص بهذه الكذبة كما قلنا، أو كان جزاء كفره السابق إن قلنا بأنه آمن حقيقة وواقعا ولكن الواقع خلافه، فإنه لم يؤمن قط وقد كذب لأجل التخلص.