والطغيان عليه إلى طاعته والتسليم لامره، فيندم لأجل أنه مما يوجب سخط الله وغضبه أو البعد عنه، وهذه الجهة والعلة مشتركة بين المعاصي، فالعزم على ترك البعض دون البعض الاخر. وكذلك الندم عن ارتكاب البعض دون البعض الاخر غير ممكن، مع اشتراك الجميع في علة الندم من الفعل، والعزم على الترك.
وإن شئت قلت: ليس الندم والعزم على الترك إلا لتقديم رضا الله على رضا نفسه بنيل الشهوات والخروج عن الطغيان والغي والضلال، والرجوع إلى الطاعة والعمل بوظيفة العبودية، ومقتضى هذا المعنى هو العزم على ترك جميع المعاصي صغيرها وكبيرها، كانت من حقوق الله أو من حقوق الناس، والتخصيص ببعض دون بعض لا وجه له.
وفيه: أن المعاصي تختلف من حيث سخط المولى تعالى بصدورها عن العبد، ولا شك في شدة العذاب الأليم بالنسبة إلى البعض دون البعض، وكذلك سخطه أشد بالنسبة إلى البعض، فما كان السخط فيه أشد والعذاب أغلظ، علة العزم على الترك فيه أقوى، فيؤثر في نفس العبد أزيد ويعزم على الترك. وإذا رأى أن العذاب فيه أغلظ أو مدته أطول كما أنه في قتل العمد مؤمنا نص الكتاب العزيز بالخلود في النار، وقال تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) 1 فيكون الداعي على الترك أقوى، فقهرا يحصل الندم على مثل هذا الفعل العظيم.
ومما يكون موجبا للفرق في وجود الندم والعزم على الترك بين المعاصي اختلاف الشهوات بالنسبة إلى أفرادها، وهذا أمر محسوس بالنسبة إلى المخدرات، فإذا تعود الشخص بشربها وصار كالطبيعة الثانية له وحضر وقت عادته، فلا يتمكن عادة من تركه، ولا يحصل له الندم على فعله الماضي، بل يشتاقه غاية الاشتياق مع كراهته لسائر المعاصي، وكذلك الشاب الشبق إذا احتاج وخلى من الأجنبية