ولكن أنت خبير بأنه ليس فائدة التوبة عن الصغائر منحصرة بالخلاص عن عقابها، بل كل معصية توجب نقصا في النفس، وموجبة لهبوطها عن الكمال والصعود إلى الدرجات العالية، وتوجد نقطة سوداء في النفس، كما في بعض الأخبار الصادرة عن أهل بيت العصمة، فبعد أن وفقه الله للتوبة يبدل الله تلك النقطة السوداء بالبيضاء، وإلا تكبر وتحيط على تمام القلب، فلا يبالي بارتكاب أي معصية كبيرة أو صغيرة، فطهارة القلب وتذكيته عن دنس المعصية لا يمكن إلا بالتوبة والرجوع إلى الله وإلى الطريق المستقيم.
وهذا أثر للتوبة لا ربط له بمسألة العفو عن العقاب، ولا يحصل هذا الأثر إلا بالتوبة، ولعله إلى هذا يشير قوله صلى الله عليه وآله " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " 1 أي لا يبقى بعد التوبة أي أثر لذنبه لا أنها ترفع العقاب فقط.
هذا، مضافا إلى أنه من أين يقطع أو يطمئن بعدم صدور الكبيرة، والله تعالى علق تكفير الصغائر ورفع العقاب على الاجتناب عن جميع الكبائر، وأنى له بذلك مع كثرة المغريات، وازدياد أسباب الشهوات، وخروج الخلق عن بساطة المعيشة مع وفور أسباب اللذائذ وسعة العيش والملهيات المهلكات وقلة المنجيات، وأما التوبة فتريحه من جميع ذلك، وتجعل قلبه كالمرآة الصافية زائدا عنه كل نقيصة كيوم ولدته أمه.
ولذلك الأنبياء والأئمة المعصومين عليهم السلام مع أنهم قطعا بالأدلة القطعية لا يرتكبون الكبائر، ومع ذلك لا نجوز في حقهم ارتكاب الصغائر، لأنه نقص لا يليق بمنصب النبوة والإمامة والزعامة الحقة الكبرى، والولاية المطلقة التي ادعيناها وأثبتناها في حق النبي صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.