فلعل القرعة أمارة للحكم وإن كان الموضوع في نفس الأمر غير معين.
ومما قررنا ظهر وجه التفرقة بينهما أيضا، وهو الذي يساعد عليه الأدلة والاعتبار، أما الأدلة: فلما عرفت من الموثق (1) الدال على جمع الميراثين في الخنثى، وفتوى الأصحاب بنصف الديتين فيه، والصحيح (2) في الممسوح بالقرعة.
ولا ريب أن الظاهر من القرعة الكشف عن الواقع في الموضوع. وأما الاعتبار:
فلأن الغالب في مراتب الموجودات إنما هو وجود الوسائط بين المرتبتين بحيث يناسب العليا من وجه والسفلى من آخر.
وعلى ذلك جرى تقدير العزيز العليم في الموجودات كافة، وبرهانه مذكور في محله، وهو كمال الصنع وتمام القدرة، ولما كان الذكر والأنثى مرتبتين متباعدتين جرى لطيف صنعه تعالى على إيجاد واسطة بينهما.
لا يقال: فلم لم تجعلهما معا واسطة؟
لأنا نقول: معنى الواسطة: وجود صفة الطرفين فيها، لا فقدانها لهما.
وبهذا يظهر الجواب عن سؤال القول بالعكس، مع أن الواسطة مخالف (3) للعمومات وأدلة الحصر والاعتبار الأولى أيضا، فيقتصر فيه على المتيقن من النوع الواحد، لا الاثنين. فإذا دار الأمر بين كون الخنثى واسطة أو الممسوح، فلا ريب أن الأول أولى من وجوه:
أحدها: دلالة النصين السابقين.
وثانيها: اشتهار الأول بأنه واسطة بين الفريقين في لسان العوام والخواص.
وثالثها: وجود أمارة الطرفين فيه، دون الاخر.
ورابعها: شيوع نقصان أعضاء البدن بين المخلوقين، فلعل الممسوح أيضا ذكر أو أنثى، غايته نقص عضو منه وبقي الثقب أو لم يبق له الثقب، فتخرج الفضلة من