لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر ومد يديه عرضا أخرجه أبو داود. وبما أخرجه أيضا من حديث ابن عمر: أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يرجع فينادي ألا إن العبد نام قالوا فوجب تأويل حديث الباب بما قال بعض الحنفية أن النداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الاذان وإنما كان تذكيرا كما يقع للناس اليوم. وأجيب عن الاحتجاج بالحديثين المذكورين بأن الأول منهما لا ينتهض لمعارضة ما في الصحيحين لا سيما مع إشعار الحديث بالاعتياد. وأما الثاني فلا حجة فيه لأنه قد صرح بأنه موقوف أكابر الأئمة كأحمد والبخاري والذهلي وأبي داود وأبي حاتم والدارقطني والأثرم والترمذي، وجزموا بأن حمادا أخطأ في رفعه وأن الصواب وقفه.
وأما التأويل المذكور فقال الحافظ في الفتح أنه مردود، لأن الذي يصنعه الناس اليوم محدث قطعا، وقد تضافرت الأحاديث على التعبير بلفظ الاذان قطعا فحمله على معناه الشرعي مقدم، ولان الاذان الأول لو كان بألفاظ مخصوصة لما التبس على السامعين، والحديث ليس فيه تعيين الوقت الذي كان بلال يؤذن فيه، وقد اختلف من أي وقت يشرع في ذلك؟ فقيل: إنه يشرع وقت السحر ورجحه جماعة من أصحاب الشافعي.
وقيل: إنه يشرع من النصف الأخير ورجحه النووي وتأول ما خالفه، وقيل: يشرع للسبع الأخير في الشتاء وفي الصيف لنصف السبع قاله الجويني. وقيل: وقته الليل جميعه ذكره صاحب العمدة وكأن مسنده إطلاق لفظ بليل. وقيل: بعد آخر اختيار العشاء، وقد ورد ما يشعر بتعيين الوقت الذي كان بلال يؤذن فيه وهو ما رواه النسائي والطحاوي من حديث عائشة: أنه لم يكن بين أذان بلال وابن أم مكتوم إلا أن يرقى هذا وينزل هذا وكانا يؤذنان في بيت مرتفع كما أخرجه أبو داود، فهذه الرواية تقيد إطلاق سائر الروايات، ويؤيد هذا ما أخرجه الطحاوي أن بلالا وابن أم مكتوم كانا يقصدان وقتا واحدا فيخطئه بلال ويصيبه ابن أم مكتوم. وقد اختلف في أذان بلال بليل هل كان في رمضان فقط أم في جميع الأوقات؟ فادعى ابن القطان الأول، قال الحافظ: وفيه نظر. والحكمة في اختصاص صلاة الفجر لهذا من بين الصلوات ما ورد من الترغيب في الصلاة لأول الوقت، والصبح يأتي غالبا عقيب النوم، فناسب أن