لأن من ثبته الله في أموره عصم عن الوقوع في الموبقات ولم يصدر منه أمر على خلاف ما يرضاه الله. قوله: والعزيمة على الرشد هي تكون بمعنى إرادة الفعل وبمعنى الجد في طلبه والمناسب هنا هو الثاني. قوله: قلبا سليما أي غير عليل بكدر المعصية ولا مريض بالاشتمال على الغل والانطواء على الإحن. قوله: من خير ما تعلم هو سؤال الخير الأمور على الاطلاق، لأن علمه جل جلاله محيط بجميع الأشياء، وكذلك التعوذ من شر ما يعلم والاستغفار لما يعلم، فكأنه قال: أسألك من خير كل شئ، وأعوذ بك من شر كل شئ، واستغفرك لكل ذنب.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في سجوده:
اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره رواه مسلم وأبو داود.
قوله: ذنبي كله استدل به على جواز نسبة الذنب إليه صلى الله عليه وآله وسلم، وقد اختلف الناس في ذلك على أقوال مذكورة في الأصول. أحدها أن الأنبياء كلهم معصومون من الكبائر والصغائر، وهذا هو اللائق بشرفهم، لولا مخالفته لصرائح القرآن والسنة المشعرة بأن لهم ذنوبا. قوله: دقه وجله بكسر أولهما أي قليله وكثيره. قوله:
وأوله وآخره هو من عطف الخاص على العام. قوله: وعلانيته وسره هو كذلك. قال النووي: فيه تكثير ألفاظ الدعاء وتوكيده وإن أغنى بعضها عن بعض.
وعن عمار بن ياسر أنه صلى صلاة فأوجز فيها فأنكروا ذلك، فقال: ألم أتم الركوع والسجود؟ فقالوا بلى، قال: أما أني دعوت فيها بدعاء كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو به: اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي، أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، وأعوذ بك من ضراء مضرة، ومن فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الايمان واجعلنا هداة مهتدين رواه أحمد والنسائي.
الحديث رجال إسناده ثقات، وساقه بإسناد آخر بنحو هذا اللفظ، وإسناده في سنن النسائي هكذا: أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي قال: حدثنا حماد قال: حدثنا عطاء بن السائب عن أبيه قال: صلى عمار فذكره وفي إسناده عطاء بن السائب وقد اختلط، وأخرج له البخاري مقرونا بآخر، وبقية رجاله ثقات، ووالد عطاء هو السائب بن مالك الكوفي وثقه العجلي. قوله: فأوجز فيها لعله لم يصاحب هذا الايجاز تمام الصلاة