ذلك فقد تمت صلاتك قرينة صالحة لحمله على الندب. ويؤد ذلك قوله لابن مسعود بعد تعليمه التشهد إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والدارقطني، وفيه كلام يأتي إن شاء الله في باب كون السلام فرضا. وبعد هذا فنحن لا ننكر أن الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم من أجل الطاعات التي يتقرب بها الخلق إلى الخالق، وإنما نازعنا في إثبات واجب من واجبات الصلاة بغير دليل يقتضيه، مخافة من التقول على الله بما لم يقل، ولكن تخصيص التشهد الأخير بها مما لم يدل عليه دليل صحيح ولا ضعيف، وجميع هذه الأدلة التي استدل بها القائلون بالوجوب لا تختص بالأخير، وغاية ما استدلوا به على تخصيص الأخير بها حديث: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يجلس في التشهد الأوسط كما يجلس على الرضف أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، وليس فيه إلا مشروعية التخفيف، وهو يحصل بجعله أخف من مقابله أعني التشهد الأخير، وإما أنه يستلزم ترك ما دل الدليل على مشروعيته فيه فلا، ولا شك أن المصلي إذا اقتصر على أحد التشهدات وعلى أخصر ألفاظ الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم كان مسارعا غاية المسارعة، باعتبار ما يقع من تطويل الأخير بالتعوذ من الأربع، والأدعية المأمور بمطلقها ومقيدها فيه. إذا تقرر لك الكلام في وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة، فاعلم أنه قد اختلف في وجوبها على الآل بعد التشهد، فذهب الهادي والقاسم والمؤيد بالله وأحمد بن حنبل وبعض أصحاب الشافعي إلى الوجوب، واستدلوا بالأوامر المذكورة في الأحاديث المشتملة على الآل. وذهب الشافعي في أحد قوليه، وأبو حنيفة وأصحابه والناصر إلى أنها سنة فقط، وقد تقدم ذكر الأدلة من الجانبين.
(ومن جملة) ما احتج به الآخرون هنا الاجماع الذي حكاه النووي على عدم الوجوب، قالوا: فيكون قرينة لحمل الأوامر على الندب، قالوا: ويؤيد ذلك عدم الامر بالصلاة على الآل في القرآن، والخلاف في تعيين الآل من هم، وسيأتي في الباب الثاني. وشرح بقية ألفاظ حديث ابن مسعود يأتي في شرح ما بعده من أحاديث الباب.
وعن كعب بن عجرة قال: قلنا يا رسول الله قد علمنا أو عرفنا كيف السلام عليك فكيف الصلاة؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل