كان من بعد رسول الله (ص)، إذ من المنقول أن بلالا لم يؤذن لاحد بعد رسول الله (ص) إلا لأبي بكر، وقيل: لم يؤذن لاحد بعد موت رسول الله (ص) إلا مرة واحدة بالشام. قوله: أن يشفع الاذان بفتح أوله وفتح الفاء أي يأتي بألفاظه شفعا وهو مفسر بقوله: مثنى مثنى. قال الحافظ: لكن لم يختلف في أن كلمة التوحيد التي في آخره مفردة فيحمل قوله مثنى على ما سواها انتهى. فتكون أحاديث تشفيع الاذان وتثنيته مخصصة بالأحاديث التي ذكرت فيها كلمة التوحيد مرة واحدة كحديث عبد الله بن زيد ونحوه. قوله: إلا الإقامة ادعى ابن منده والأصيلي أن قوله: إلا الإقامة من كلام أيوب وليس من الحديث، وفيما قالاه نظر لأن عبد الرزاق رواه عن معمر عن أيوب بسنده متصلا بالخبر مفسرا، وكذا أبو عوانة في صحيحه والسراج في مسنده، والأصل أن كل ما كان من الخبر فهو منه حتى يقوم دليل على خلافه ولا دليل. وفي رواية أيوب زيادة من حافظ، فلا يقدح في صحتها عدم ذكر خالد الحذاء لها، وقد ثبت تكرير لفظ قد قامت الصلاة في حديث ابن عمر مرفوعا وسيأتي.
وقد استشكل عدم استثناء التكبير في الإقامة فإنه يثنى كما تقدم في حديث عبد الله بن زيد، وأجيب بأنه وتر بالنسبة إلى تكبير الاذان، فإن التكبير في أول الاذان أربع، وهذا إنما يتم في تكبير أول الاذان لا في آخره كما قال الحافظ، وأنت خبير بأن ترك استثنائه في هذا الحديث لا يقدح في ثبوته، لأن روايات التكرير زيادة مقبولة.
الحديث يدل على وجوب الأذان والإقامة وعلى أن الاذان مثنى وقد تقدم الكلام على ذلك. ويدل على إفراد الإقامة إلا الإقامة، وقد اختلف الناس في ذلك، ذهب الشافعي وأحمد وجمهور العلماء إلى أن ألفاظ الإقامة إحدى عشرة كلمة كلها مفردة إلا التكبير في أولها وآخرها، ولفظ قد قامت الصلاة فإنها مثنى مثنى، واستدلوا بهذا الحديث، وحديث ابن عمر الآتي، وحديث عبد الله بن زيد السابق. قال الخطابي: مذهب جمهور العلماء والذي جرى به العمل في الحرمين والحجاز والشام واليمن ومصر والمغرب إلى أقصى بلاد الاسلام أن الإقامة فرادى، قال أيضا: مذهب كافة العلماء أنه يكرر قوله قد قامت الصلاة إلا مالكا فإن المشهور عنه أنه لا يكررها. وذهب الشافعي في قديم قوليه إلى ذلك. قال النووي: ولنا قول شاذ إنه يقول في التكبير الأول الله أكبر مرة وفي الأخير مرة، ويقول قد قامت الصلاة مرة، قال ابن سيد الناس: وقد ذهب إلى القول بأن الإقامة