للتمكن من الصلاة في جميع جهاتها، لأن الصلاة إلى جهة الباب وهو مفتوح لا تصح، وقد عارض أحاديث صلاته صلى الله عليه وآله وسلم في الكعبة حديث ابن عباس عند البخاري وغيره: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كبر في البيت ولم يصل فيه قال الحافظ:
ولا معارضة في ذلك بالنسبة إلى التكبير، لأن ابن عباس أثبته ولم يتعرض له بلال، وأما الصلاة فإثبات بلال أرجح، لأن بلالا كان معه يومئذ ولم يكن معه ابن عباس، وإنما استند في نفيه تارة إلى أسامة وتارة إلى أخيه الفضل، مع أنه لم يثبت أن الفضل كان معهم إلا في رواية شاذة، وقد روى أحمد من طريق ابن عباس عن أخيه الفضل نفى الصلاة فيها، فيحتمل أن يكون تلقاه عن أسامة فإنه كان معه، وقد روى عنه نفي الصلاة في الكعبة أيضا مسلم من طريق ابن عباس، ووقع إثبات صلاته فيها عن أسامة من رواية ابن عمر عنه فتعارضت الروايات في ذلك، فتترجح رواية بلال من جهة أنه مثبت وغيره ناف، ومن جهة أنه لم يختلف عنه في الاثبات واختلف على من نفى، وقال النووي وغيره: يجمع بين إثبات بلال ونفي أسامة بأنهم لما دخلوا الكعبة اشتغلوا بالدعاء، فرأى أسامة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو، فاشتغل بالدعاء في ناحية والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في ناحية، ثم صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرآه بلال لقربه منه ولم يره أسامة لبعده واشتغاله، ولان بإغلاق الباب تكون الظلمة مع احتمال أنه يحجب عنه بعض الأعمدة فنفاها عملا بظنه. وقال المحب الطبري: يحتمل أن يكون أسامة غاب عنه بعد دخوله لحاجة فلم يشهد صلاته، ويشهد له ما رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن أسامة قال: دخلت على رسول الله (ص) الكعبة فرأى صورا فدعا بدلو من ماء فأتيته به فضرب به الصور قال الحافظ: هذا إسناده جيد، قال القرطبي: فلعله استصحب النفي لسرعة عوده انتهى. وقد روى عمر بن شيبة في كتاب مكة عن علي بن بذيمة قال: دخل النبي (ص) الكعبة ودخل معه بلال وجلس أسامة على الباب، فلما خرج وجد أسامة قد احتبى فأخذ حبوته فحلها الحديث فلعله احتبى فاستراح فنعس فلم يشاهد صلاته، فلما سئل عنها نفاها مستصحبا للنفي لقصر زمن احتبائه، وفي كل نفي رؤيته لا ما في نفس الامر. ومنهم من جمع بين الحديثين بعد الترجيح وذلك من وجوه: الأول أن الصلاة المثبتة هي اللغوية والمنفية الشرعية. والثاني يحتمل أن يكون دخول البيت وقع مرتين قاله المهلب شارح البخاري. وقال ابن حبان: الأشبه عندي في الجمع أن يجعل الخبران في وقتين