لا تبطل الشفعة من رأى أنها بيع، ومن رأى أنها فسخ - أعني الإقالة - واختلف أصحاب مالك على من عهدة الشفيع في الإقالة؟ فقال ابن القاسم: على المشتري، وقال أشهب:
هو مخير. ومنها اختلافهم إذا أحدث المشتري بناء أو غرسا أو ما يشبه في الشقص قبل قيام الشفيع بطلب شفعته، فقال مالك: لا شفعة إلا أن يعطي المشتري قيمة ما بنى وما غرس، وقال الشافعي وأبو حنيفة: هو متعد وللشفيع أن يعطيه قيمة بنائه مقلوعا أو يأخذه بنقضه. والسبب في اختلافهم: تردد تصرف المشفوع عليه العالم بوجوب الشفعة عليه بين شبهة تصرف الغاصب وتصرف المشتري الذي يطرأ عليه الاستحقاق وقد بني في الأرض وغرس، وذلك أنه وسط بينهما، فمن غلب عليه شبه الاستحقاق لم يكن له أن يأخذ القيمة، ومن غلب عليه شبه التعدي قال: له أيأخذه بنقضه أو يعطيه قيمته منقوضا.
ومنها اختلافهم إذا اختلف المشتري والشفيع في مبلغ الثمن، فقال المشتري: اشتريت الشقص بكذا، وقال الشفيع: بل اشتريته بأقل، ولم يكن لواحد منهما بينة، فقال جمهور الفقهاء: القول قول المشتري، لان الشفيع مدع والمشفوع عليه مدعى عليه. وخالف في ذلك بعض التابعين فقالوا: القول قول الشفيع، لان المشتري قد أقر له بوجوب الشفعة وادعى عليه مقدارا من الثمن لم يعترف له به. وأما أصحاب مالك فاختلفوا في هذه المسألة، فقال ابن القاسم: القول قول المشتري إذا أتى بما يشبه باليمين، فإن أتى بما لا يشبه فالقول قول الشفيع. وقال أشهب: إذا أتى بما يشبه فالقول قول المشتري بلا يمين وفيما لا يشبه باليمين. وحكي عن مالك أنه قال: إذا كان المشتري ذا سلطان يعلم بالعادة أنه يزيد في الثمن قبل قول المشتري بغير يمين، وقيل إذا أتى المشتري بما لا يشبه رد الشفيع إلى القيمة، وكذلك فيما أحسب إذا أتى كل واحد منهما بما لا يشبه واختلفوا إذا أتى كل واحد ببينة وتساوت العدالة فقال ابن القاسم: يسقطان معا ويرجع إلى الأصل من أن القول قول المشتري مع يمينه. وقال أشهب: البينة بينة المشتري لأنها زادت علما.