إليه وترك اعتزالها، لأنه كان فارقها ظنا منه بوقوع الطلاق، وذلك يقال على سبيل الحقيقة لمن طلق زوجته طلاقا فاسدا، ولمن ظن وقوعه، فأخرجها من منزله واعتزلها (1).
إذا طلقها ثلاثا بلفظ واحد كان مبدعا، ووقعت واحدة عند تكامل شروطه عند أكثر أصحابنا، وفيهم من قال: لا يقع شئ أصلا، وبه قال علي (عليه السلام) وأهل الظاهر، وحكى الطحاوي عن محمد بن إسحاق (2) أنه قال: يقع واحدة كما قلناه.
قال الشافعي: المستحب أن يطلقها طلقة فإن طلقها ثنتين أو ثلاثا في طهر لم يجامعها فيه، دفعة أو متفرقة، كان ذلك واقعا مباحا غير محظور، وقال أبو حنيفة ومالك: إذا طلقها ثنتين أو ثلاثا في طهر واحد دفعة أو متفرقة فعل محرما، وعصى وأثم، إلا أن ذلك واقع.
لنا قوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة} (3) فأمر بإحصاء العدة، وثبت أنه أراد في كل قرء طلقة، وقوله: {الطلاق مرتان} (4) يعني دفعتين، ثم قال: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} (5) ومن جمع بين الثلاث فإنه لم يطلق دفعتين ولا الثالثة، فإن قالوا: إذا ذكر العدد عقيب الاسم لا يقتضي التفريق وإنما يقتضي ذلك إذا ذكر عقيب الفعل، مثال الأول إذا قال له: علي مئة درهم مرتان ومثال الثاني: ادخل الدار مرتين، و العدد في الآية عقيب الاسم لا الفعل، فجوابه أن معنى قوله تعالى: {الطلاق مرتان} طلقوا مرتين، لأنه لو كان خبرا لكان كذبا، فالعدد مذكور عقيب الفعل لا الاسم (6)، وأيضا فإنه إذا قال: أنت طالق ثلاثا مع تكامل شروطه وجب وقوعه، وما أبدع من قوله: (ثلاثا) لا حكم له في الشرع، لأنه مخالف للسنة، ولا تأثير له في إفساد ما قد تكاملت شروطه الشرعية من الطلاق، ولا فرق بين أن يتبع الطلاق بقوله: ثلاثا، وبين أن يتبعه بشتم المرأة، وكما أن ذلك - و أن كان بخلاف السنة - غير مانع من وقوع الطلاق فكذلك ما نحن فيه.
ويدل على أنه قوله: (ثلاثا) بدعة قوله تعالى: {الطلاق مرتان}، والمراد بذلك الأمر، لأنه لو كان خبرا لكان كذبا، فكأنه قال: طلقوهن مرتين ولا يكون الطلاق مرتين إلا بحصول