بالتوبة، وإنما يتوب المذنب من ذنبه والحد من فعل غيره، وأيضا فمتى كان مصرا كان إقامة الحد عليه عقوبة والعقوبة لا تكفر الخطيئة كما لا يستحق بها الثواب، والتوبة التي يسقط الله العقاب عندها هي الندم على ما مضى من القبيح أو الإخلال بالواجب والعزم على ترك الرجوع إلى مثله في القبح.
فإن قيل: قوله تعالى: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح، هل فعل الصلاح شرط في قبول التوبة أم لا؟ فإن لم يكن شرطا فلم علق الغفران بمجموعهما؟
قيل له: لا خلاف في أن التوبة متى حصلت على شرائطها فإن الله يقبلها ويسقط العقاب وإن لم يعمل بعدها عملا صالحا غير أنه إذا تاب وبقي بعد التوبة، فإن لم يعمل العمل الصالح عاد إلى الإصرار لأنه لا يخلو في كل حال من واجب عليه، فأما إن مات عقيب التوبة من غير فعل صلاح فإن الرحمة بإسقاط العقاب تلحقه بلا خلاف.
على أن قوله: وأصلح، يمكن أن يكون إشارة إلى العزم على ترك المعاودة مع الندم، وقال بعض المفسرين: معناه وأصلح أمره بالتقصي عن التبعات ورد السرقة، وهذا من شرائط صحة التوبة فيه.
وأما رفع قوله تعالى: والسارق والسارقة، فإنه عند سيبويه رفع على تفسير فرض فيهما يتلى عليكم حكم السارق والسارقة، وقيل: معناه الجزاء، وتقديره: من سرق فاقطعوه، وله صدر الكلام.
قال الفراء ولو أراد سارقا بعينه لكان النصب الوجه، ويفارق ذلك قولهم: زيدا فاضربه، لأنه ليس فيه معنى الجزاء والمقصود واحد بعينه، وليس القصد بالسارق واحدا بعينه وإنما هو كقولك: من سرق فاقطعوا يده، فهو في حكم الجزاء والجزاء له صدر الكلام، وقال الزجاج: هذا هو القول المختار.
وأجمع العلماء على أن القطع لا يجب على السارق إلا بعد أن يأخذ المال الذي لغيره من دون إذنه من حرز وهو لا يستحقه.