وبذلك يحصل الفرق بين ملك المنفعة وملك الانتفاع، ففي الحقيقة تكون حيثية الانتساب إلى الدار في الأولى ملحوظة بالاستقلال من دون خصوصية لمن يقوم بها السكنى، بخلاف الثانية فإن حيثية القيام ملحوظة بالاستقلال، والمملوك حصة من الطبيعي بحيث لا تتعدى عن مورد العقد، وحصول هذه النتيجة بعقد الإجارة مع شرط الاستيفاء بنفسه لا يوجب نفي الفرق بين الإجارة والعارية من هذه الجهة، ولا عدم الفرق بين ملك المنفعة وملك الانتفاع، فإن اختلاف الحقيقة بالنظر إلى نفس الذات ومقتضياتها محفوظ كما لا يخفى، هذا كله في ملك المنفعة.
وأما ملك الانتفاع فإن التزمنا بالاشكال، وسلكنا ما يقتضيه الجواب الأول فلا يبقى بعد حيثية العين إلا ما هو من أعراض الساكن مثلا، وهو غير مملوك للمعير حتى يملكه المستعير بعقد العارية، ولا معنى للالتزام بأن مفاد عقد العارية إباحة الانتفاع إباحة مالكية يتبعها إباحة شرعية، لأن صيرورة الانتفاع مباحة بالإباحة المالكية لا تتوقف على قبول المباح له لا قولا ولا فعلا، فالانتفاع بمجرد الإذن مباح، سواء انتفع به أم لا.
فيعلم أن المعقود عليه في العارية سنخ معنى تسبيبي يتسبب إليه بالعقد، مع الالتزام بعدم اعتبار لفظ في تحققه، وحيث إنه لا يعقل أن يكون ذلك المعنى اعتبار الملك، لأن الانتفاع بالمعنى المذكور غير مملوك له حتى يملكه، فلا مناص من جعله معنى وضعيا آخر، وهي السلطنة الوضعية دون التكليفية، التي ليست هي إلا إباحة الانتفاع مالكية أو شرعية، فمن شؤون ملك العين أن يسلط غيره على عينه للانتفاع بها، والتعبير بالملك مجاز، وحيث إن المعير سلط المستعير على عينه - لا أنه أعطاه ملكه أو سلطانه - فلذا ليس له نقل الملك أو السلطنة.
وأما لو سلكنا ما يقتضيه الجواب الثاني كما عن جملة من المعاصرين فالأمر واضح، حيث إن الانتفاع تارة يكون نسبته إلى العين محفوظة وطرفه القائم به ملغى، فكأنه يتمحض في النسبة إلى العين فيعد منفعة العين، فإذا ملكه كان له نقله إلى غيره، وأخرى يكون قيامه بشخص المستعير ملحوظا، فكأنه متمحض في الانتفاع -