فالتقديم محال مطلقا، إذ لا فرق في استحالة تقدم المطاوعة بين أن يكون مدلولا مطابقيا للفظ أو مدلولا التزاميا، فإن اللازم المحال يمنع عن تقديم ما لا بد من ملازمته له، وإن لم يجب تضمنه للمطاوعة، بل كفى مجرد الرضا بالايجاب، فلا فرق في جواز التقديم باعترافه (رحمه الله) بين " قبلت " وغيره، مضافا إلى أن المطاوعة المأخوذة في " قبلت " ونحوه مطاوعة إنشائية لا حقيقية، حتى يستحيل تقدم " قبلت " على الايجاب.
هذا لكن ظاهر كلامه (رحمه الله) فيما بعد إلى آخر البحث أن المطاوعة غير معتبرة في قبول البيع لا حقيقة ولا إنشاء، وسيصرح (1) به فيما بعد، بل غرضه (رحمه الله) أن المشتري ناقل لماله كالبائع، فلا بد من تضمن القبول لأمرين: أحدهما الرضا بالايجاب، وثانيهما نقل ماله بالالتزام في الحال، نظرا إلى أن النقل الذي هو فعل الموجب وفعل القابل، هو إنشاء النقل بنظره، لا النقل الشرعي الذي هو عنده (قدس سره) أثر العقد.
وعليه فقوله " اشتريت الكتاب بدينار " يتضمن اظهار الرضا بفعل الموجب بمدلول الصيغة وهو إنشاء ملكية الكتاب لنفسه ويتضمن نقل ماله في الحال بنظره بقوله " بدينار " الذي هو متعلق إنشائه، فيكون بالالتزام ناقلا لماله في الحال، وأما " قبلت " و " رضيت " فليس فيهما إلا الرضا بالايجاب، وليس فيهما نقل ماله في الحال، بل مقتضى رضاه بإنشاء البايع المجعول ماله عوضا فيه رضاه بنقل ماله عند الايجاب، كنفس رضاه بنقل مال البايع نفسه، لا النقل في الحال، بخلاف ما إذا تأخر القبول فإنه حيث لا حالة منتظرة إلا لحوق القبول، فرضاه بإنشاء البايع المتضمن لنقل مال المشتري بالالتزام يدل بالالتزام على نقل ماله بنظره أيضا فعلا، فليس غرضه (رحمه الله) أن " قبلت " متضمن لمانع عن تأثيره، بل غرضه أنه غير متضمن لما يقتضي تأثيره بنظره في الحال.
ومما ذكرنا في بيان مرامه يندفع ما يتوهم من أن حال القبول حال الايجاب، فكما لا نقل حال الايجاب فكذا حال القبول، وهو مبني على توهم إرادة النقل الشرعي