الإجارة. فنقول:
أما من يجعل الإجارة تمليك عين في مدة مخصوصة في جهة خاصة فلعله يرى اندفاع الاشكال بذلك وليس كذلك، فإنه لو تم فإنما يتم فيما كانت هناك عين مملوكة هي مورد عقد الإجارة، فلا يعم الأعمال التي تتعقبها عين كالارضاع والاستحمام ونحوهما، مع فساد المبنى كما مر مرارا، كما أن ما سلكه شيخنا الأستاذ " قدس سره " من أن حقيقة الإجارة جعل العين في الكراء وجعل نفسه بالأجرة، وأن ملك المنفعة لازم غالبي لها فلا مانع من تأثيرها في ملك العين فقد عرفت في أول باب الإجارة أن الأجرة والكراء حيث إنهما يقعان بإزاء العمل والمنفعة لا بإزاء العين على عكس الثمن حيث يقع بإزاء العين لا غير فمرجع جعل الدابة في الكراء إلى جعل ركوبها في قبال الكراء وجعل نفسه بالأجرة إلى جعل عمله في قبالها.
وهكذا دعوى أن مسيس الحاجة إلى هذه الأمور أوجب شرعية الإجارة فيها، فإنها مدفوعة بأن مسيس الحاجة يسوغ تشريع المعاملة عليها لا أنه يحقق حقيقة الإجارة المتقومة بجعل الأجرة بإزاء المنفعة والعمل، فإن هذه الحقيقة لا تكاد تتحقق بالتعبد. ومنه تبين أن دعوى الاجماع على الصحة في بعضها لا تجدي، فإن ما ليس من حقيقة الإجارة في شئ لا يكون إجارة بالاجماع أو بدليل آخر تعبدي، بل غاية ما يقتضيه التعبد صحة المعاملة والمعاوضة وإن خرجت عن حدود البيع والإجارة وهكذا ما عن غير واحد من أن المنفعة أمر عرفي وربما يكون بعض الأعيان منفعة عرفا لعين أخرى كاللبن للمرأة وللشاة والثمرة للشجرة والماء للحمام والبئر، فإنه لو صحت هذه الدعوى لصح تمليك المنفعة ابتداء كما يصح تمليك سكنى الدار، ولا أظن أن يلتزم أحد بصحة تمليك لبن المرأة أو الشاة إجارة ولا تمليك ماء البئر والحمام ابتداء بعنوان الإجارة. فيعلم منه أن المنفعة في قبال العين مطلقا، ويشترط في تمليك هذه الأعيان ما يشترط في غيرها.
إذا عرفت ما ذكرناه فاعلم أن العمل والمنفعة على ثلاثة أقسام: (أحدها) أن الاستيفاء يستتبع تلف العين كالاستحمام في ماء الحمام بالدخول والخروج