لم يكن قادرا على تسليم المبيع فعلا مع قدرته عليه بعد زمان معتد به لما صح البيع منه فعلا، وعدم مقدورية تسليم المنفعة المتأخرة فعلا لتقيدها بالزمان المتأخر في غاية الوضوح، فلا معنى للقدرة فعلا على الفعل المستقبل.
ويندفع بأن وجه اعتبار القدرة رفع الغرر، وما يقر على تسلميه في ظرفه لا غرر فيه، فلا موجب لاعتبار القدرة الفعلية، ولا يقاس بالبيع، فإن المملوك فيه غير محدود بالزمان، فلا بد فيه من القدرة على تسليمه بعد العقد.
و (منها) إن العقود والانشاءات علل للأحكام فيلزم الاتصال، لئلا يلزم تخلف المعلول عن العلة، وكذا ذكره بعض الأعلام " رحمه الله " نقلا عن أبي الصلاح، ولا يتم هذا الاستدلال إلا بدعوى مقارنة الملكية للمملوك حتى تكون الملكية كالمملوك متأخرة عن العقد، ولا موجب لها إلا ما توهمه بعض العامة من أن المنفعة معدومة والمعدوم غير قابل للملكية فتكون الملكية مقارنة لوجود المنفعة، فكما توجد تدريجا تملك تدريجا، وقد عرفت بطلانه غير مرة.
و (منها) إن استحقاق التسليم من أحكام العقد ومقتضياته، والاستحقاق المزبور لا يجامع الانفصال فيكون منافيا لمقتضى العقد.
ويندفع بما حقق في محله من أن استحقاق التسليم ليس من مقتضيات العقد بما هو بل من مقتضيات الملك، لتسلط الناس على أموالهم، فلا محالة يتبع كيفية المال المملوك، فإذا كانت المنفعة الحالية مملوكة فلمالكها السلطنة على تسلمها حالا، وإذا كانت المنفعة الآتية مملوكة كان له السلطنة على تسلمها في ظرفها، فالملك لا يقتضي سلطانا مطلقا على المال بل على حسب حاله كالثمن المؤجل في البيع وكالأجرة المؤجلة هنا، ولعل المراد من أن الاستحقاق من مقتضيات اطلاق العقد لا ذاته هو ما ذكرنا ولا يقاس الاستحقاق المزبور بالملك، بدعوى أنه كما أن الملكية فعلية والمملوك متأخر كذلك الاستحقاق فعلي وما يستحقه متأخر كما هو ظاهر بعض الأعلام " رحمه الله " وذلك لأن الحق كالملك إلا أنه ليس لذي المال ملك وحق وإنما له السلطنة على ماله بحسب حاله، وحيث إن الاستحقاق بمعنى