مجديا في صحة الإجارة الثانية.
(ثانيهما) أنه للأجير بعد أداء أجرة المثل للمستأجر الأول الرجوع بها إلى المستأجر الثاني أو لا؟
فنقول: إن استحقاق الرجوع لأحد أمرين (الأول) صيرورة الأجير بعد دفع البدل مالكا للمبدل ولو للمعاوضة القهرية شرعا، لئلا يلزم الجمع بين البدل والمبدل في مالك المبدل، فيكون الأجير قائما مقام المستأجر الأول. ويندفع بأن التضمين في باب الاتلاف واليد بعنوان التغريم لا بعنوان التعويض شرعا، مع ما مر من أن المبدل وهو العمل لتصرمه وفواته غير قابل للملك، ولا يقاس بالمكسور، من الشئ أو الخل المنقلب خمرا، حيث يمكن حق الاختصاص بالموجود لا بالمعدوم، واعتبار ملك التالف مقدمة لملك بدله في الذمة جزاف، ولا يلزم الجمع بين العوض والمعوض هنا، إذ التالف غير باق على ملك مالكه حتى يلزم محذور الجمع بل بتلفه أو إتلافه تشتغل الذمة بدله فيتبدل الملك الخارجي بخروجه عن قابلية الملكية إلى الملك الذمي.
(الثاني) استقرار الضمان على المستأجر الثاني، فللأجير الرجوع إليه وليس له الرجوع إلى الأجير كما ذكروا نظيره في باب تعاقب الأيدي من الرجوع للسابق إلى اللاحق، فإن الملاك كون المال مضمونا ببدله صار مضمونا للاحق ولا لا حق له حتى يرجع إليه لفرض استقرار الضمان بالتلف عنده. إلا أن هذا المعنى بعد فرض صحة أصله مخدوش هنا، إذ ليست المنفعة مضمونة على الأجير قبلا إلا بضمان المعاوضة، ويستحيل أن تكون يده يد ضمان الغرامة، لأن فرض الضمان بالبدل إذا تلف لا يجامع الانفساخ إذا تلف، وعليه فلا ضمان على الأجير إلا باتلافه الذي حقيقته هنا جعل المنفعة ممتنعة الوصول إلى مالكها بتسليمها إلى المستأجر الثاني، وتسليمها وتسلمها متضايفان لا تقدم للأول على الثاني حتى يتوهم انتقال المنفعة المضمونة إلى المستأجر الثاني، فهو نظير ما إذا وضعت يدان على المال دفعة واحدة ثم تلف، فإن الضمان بالقوة وبالفعل إلى كليهما متساوي النسبة فلا رجوع لأحدهما