الأحكام مطلقا ايجابيا كانت الأحكام أم تحريميا كما أنه كثيرا ما يكون الحكم الشرعي مشروطا بالقدرة على متعلقه شرطا شرعيا، لكن بين القدرتين فرقا أعني بين ما يشترطه العقل وبين ما يشترطه الشرع فالشرط عند العقل هو التمكن من ايجاد متعلق الحكم في الأمر وتركه في النهي مطلقا بأي وجه كان، ولو بايجاد القدرة على ايجاد المتعلق أو تركه. ومع العجز عن الامتثال بقول مطلق بواسطة عدم القدرة على المتعلق فعلا وعدم التمكن من تحصيل القدرة عليها يحكم بسقوط التكليف من ناحية حكمه بقبح مطالبة العاجز بما لا يقدر عليه، وأما في الشرط الشرعي، فالشرط هو نفس القدرة الفعلية، فلو لم يكن متمكنا من الامتثال فعلا، ولكنه كان متمكنا من تحصيل القدرة على القدرة لما وجب تحصيلها بل عند حصولها من باب الاتفاق يتحقق الحكم المشروط بها. ويترتب على الأول وجوب تحصيل المال بالكسب ونحوه عند التمكن من تحصيله لأجل أداء الدين لو كان واجبا ولم يكن عنده مال موجود بالفعل وعلى الثاني عدم وجوب تحصيل الاستطاعة لأجل الحج إذا لم تكن موجودة عند التمكن من تحصيلها، والسر في هذه التفرقة واضح إذ الشرط العقلي من القدرة إنما صار شرطا بحكم العقل لأجل قبح مطالبة العاجز، والمفروض أن المتمكن من تحصيل القدرة على الشئ ليس عاجزا عنه بواسطة امكان تحصيل القدرة عليه فليس في الزامه على الشئ عند العقل جهة قبح وهذا بخلاف القدرة الشرعية إذ هي لمكان دخلها في ملاك الحكم إذا لم يكن، لم يكن الحكم ذا ملاك ومع فقد ملاكه لا موجب لتحصيل القدرة عليه لكي يصير ذا ملاك، وبعبارة أخرى: وجوب تحصيل القدرة عليه يتوقف على تمامية ملاكه. والمفروض أنه بالقدرة عليه يصير ذا ملاك كما لا يخفى.
(٤٣٦)