فإذا أدركنا ذلك، علمنا كيف أن المعصوم تنفر نفسه وتشمئز من المعاصي، وتندفع لفعل الطاعات، لأنه في الواقع يرى الأمور على حقيقتها وعلى صورتها الأخروية.
وإذا اتضح ذلك، أدركنا السبب في عدم انجذاب الأنبياء والأولياء (ع) إلى امرأة أجنبية، سواء انجذاب شعوري أو لا شعوري، فإن الإنسان مهما كان جائعا لن ينجذب أو يسيل لعابه سيلا لا شعوريا لجيفة نتنة تفوح رائحتها في الأجواء.
فالأنبياء لن ينجذبوا لامرأة أجنبية عرضت نفسها عليهم، ودعتهم إلى فعل الحرام، لأنهم والحال هذه، لن يروها إلا على صورة خنزير، أو أفعى، أو كلب أجرب.
من هنا، فإن العصمة لا تمنع صاحبها من فعل المعاصي وحسب، وإنما تمنعه من التفكير بها أو من خطورها في البال.
إننا نرى كيف أن الجاهل بنوع الطعام قد يعتبر رائحته زكية عطرة، فتنجذب نفسه إليه، ويسيل لعابه له، فإذا علم أنه لحم خنزير مثلا انقلبت هذه الرائحة إلى رائحة كريهة نتنة يتنفر منها، وليس ذلك إلا بسبب العلم. فلا شك بعد ذلك بمدى تأثير العلم بالانفعالات النفسانية.
وكم نشاهد في حياتنا العملية كيف أن الإنسان العادي إذا فجع بعزيز من أعزاءه، كوالديه أو ولده، وقد سيطرت الفجيعة على كل أحاسيسه ومشاعره، فإنه وهو في هذه الحال، لا ينجذب إلى امرأة أو إلى أي منظر يثير الغرائز ويحرك المشاعر والأحاسيس الجنسية.
بل إننا كثيرا ما نرى شخصا قد أحب امرأة وقد سيطر هذا الحب على مجامع قلبه، وأخذ منه كل مأخذ، فإنه لا يرى جميلا بعد ذلك غير محبوبته، ولا يميل إلا إليها..
فما بالك بالذي يكون الله سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها كما ورد في الحديث القدسي (المسمى بحديث قرب النوافل)، ولو اطلعت على ما في قلبه، فلن تجد سوى الله.