يفرط فيما فرط به معاوية، ولم يجحد جحود من شرطوا في الخلافة قبله أن تكون قاصرة بعد كتاب الله وسنة رسوله على سيرة الشيخين، دون اعتماد الفصل في تصريف الأحكام بدافع التطور، وذلك ما دعا عليا لأن يضحي بالخلافة يوم الشورى، إذ قال له عبد الرحمن بن عوف (وكان محكما ذلك اليوم):
" أبسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين أبي بكر وعمر.
فأجابه علي: على كتاب الله وسنة رسوله واجتهادي فيما أرى بعد ذلك ".
ولقد كان الإمام يرمي بكثير من أقواله إلى بناء الأمة في مستقبلها العتيد وفي نهجه كثير من آرائه التي أشار بها إلى العلوم والفنون في العصور المختلفة حتى عصرنا الحاضر، وفي هذه الكلمة التي يدور حولها بحثنا الآن إشارة صريحة إلى ضرورة التطور في الحياة، فهو يريد أن يحمل الناس حملا على الإيمان بالتطور، إذ لو جمد الأبناء على سيرة الآباء لكانوا إياهم خلقا وخلقا وهذا مغاير لسنن الطبيعة في التطور المفروض طبعا على كل كائن.
على أنا نقف متسائلين بين يدي إمامنا عما يعني بالأخلاق في قوله: " لا تقسروا أبناءكم على أخلاقكم؟ فالأخلاق في أصل اللغة هي السجايا والطبائع والعادات سيئة كانت أو حسنة، وأما في العرف العام فيطلقونها على المروءات والحكم والآداب، فإذا نهى الإمام الآباء عن قسر أبنائهم على ما تخلقوا به فإنما يعني السجايا والعادات التي هي مناط الخير والشر معا، لا الأخلاق التي هي مناط الخير فقط كالمروءات والآداب العامة، فإن هذه من أخص ما يجب أن يقسر الآباء عليه الأبناء.
فإذا كنت متصفا بالكرم والوفاء والتسامح والإباء وغيرها من السجايا النبيلة، فالإمام أسمى من أن ينهاني عن أن أروض ولدي عليها وألزمه بها.
إن الأخلاق الكريمة في الآباء وديعة من عند الله لا يؤمنون الإيمان المحظي