تدل على أن الثانية شرط للأولى لا علة لها، لأن البدن يتأثر بالفكر كما قدمنا -، ومعلوم أن العلة لا تتأثر بالمعلول، بل العكس هو الصحيح، ومن هنا قال (ليبنترا): (إننا مضطرون للاقرار بأن الإدراك وما يتعلق به لا يفسر بأسباب مادية).
وبالتالي لو قلنا: إن المادة أصل الظواهر الفكرية لصدق قول القائل بأن علم النفس بلا نفس، وعلم الحياة بلا حياة.
النفس والموت الموت حادث طبيعي لا بد منه ولا مفر عنه، ولا بقاء إلا لمن خلق الموت والحياة، فهو وحده الحي الذي لا يموت، وإليه المصير، ولكن ما هو الموت هل هو مفارقة النفس للبدن، وقطع العلاقة بينه وبينها، وانتقالها عنه مع بقائها سالمة كاملة، أو أنها تفسد بفساده، وتنحل بانحلاله، ولا يبقى لها بعد الموت عين ولا أثر تماما كما ينطفئ النور في المصباح.
وبديهة أن هذا التساؤل لا يهم الماديين في شئ، لأنهم ينكرون الروح إطلاقا، بل أنكر (أبيقور) الموت بالمرة، حيث قال: (ما دمنا أحياء فلا موت، وإذا متنا فلا حياة). وإنما يخص هذا التساؤل القائلين بتجرد النفس مستقلة بحقيقتها وأفعالها كغيرها من الموجودات. والحق الذي نؤمن به وندين أنها لا تموت بموت البدن، ولا تفسد بفساده، وإنما تتركه إلى عالم آخر، ولكن من أين نتبين ذلك؟ هل نتبينه بالعقل والقياس المنطقي، أو بالوحي من كتاب، أو سنة ثابتة؟.
وعلى افتراض أن الدليل المعتمد هو العقل، فهل يحكم العقل ببقاء